ربما خالجتها صحوة ضمير هزت كيانها وزعزعت وجدانها وإن جاءت متأخرة، ربما صمتت دهرا ولكنها عندما تكلمت اختزلت سنوات طويلة من الصراع العربي الإسرائيلي بعبارة واحدة فقدمت للعالم خلاصة الرواية، عندما قالت فليذهب اليهود إلى الجحيم .. هيلين طوماس امرأة أمريكية حد النخاع دافعت عن مصالح بلدها بخبرة وحنكة كبيرة، فقد عملت مراسلة صحفية وإعلامية على امتداد عشر إدارات أميركية، منذ عهد كنيدي في مطلع الستينيات .. غير أن كل هذا التاريخ الطويل لم يغفر لها ولم يشفع، أمام لحظة حقيقة أطلقت فيها العنان لما كانت تؤمن به طوال عمرها، ولأن اليهود خط أحمر لم يغفر لها تاريخها وولاؤها، للبيت الأبيض الذي قضت فيه عقودا من الزمن خطيئتها عندما ''أساءت'' لشعب الله المختار! هيلين أجهزت في لحظة واحدة وبعبارة واحدة على حياة بأكملها قضتها في خدمة رؤساء أمريكا ورغم 60 سنة من الخدمة الدؤوب ومن الوفاء اللامحدود قررت الإدارة الأمريكية إحالتها إلى التقاعد وشطبتها من سجل الكتاب. .. طلبوا منها الاعتذار الواضح الصريح فلم تستجب.. وحتى الرئيس أوباما شارك في تأنيبها عندما قال: من المؤسف أن تنهي سيرة حياة امرأة مؤسسة في واشنطن بهذا الشكل... فأقوالها مرفوضة وآمل أن تكون هي تدرك ذلك. أمريكا التي تتغنى بحقوق الإنسان وحرية التعبير في كل مكان، بل قادت جحافل من الجيوش إلى بلدان تبعدها بآلاف الأميال دفاعا عن الديمقراطية والحرية وفق زعمها، هي اليوم تسكت صوتا أمريكيا حرا وتخنقه حد الموت ليس لشيء سوى لأنه تجرأ على التعليق على جريمة إسرائيل ضد أسطول الحرية، عندما قالت: الفلسطينيون تم احتلالهم، وهي أرضهم، ليست ألمانيا ولا بولندا، وقالت إنه بإمكان الإسرائيليين أن يذهبوا إلى ألمانيا وبولندا وأميركا أو أي مكان آخر، مضيفة بصوت عال: فليذهب اليهود إلى الجحيم .. هيلين تحولت فجأة من قديسة إعلامية كما توصف إلى معادية للسامية، واستحقت العقاب الكبير الذي أنزله الأمريكان عليها لعله يشفع في تطيب خاطر اليهود الممتعضين الغاضبين.. موقف هيلين وإن جاء بعد 60 سنة من الخدمة في دواليب إدارة البيت البيض الحليف الأول والكبير للدولة الصهيونية إلا أن التاريخ سيحفظه، وسيكتب أن هيلين طوماس سكتت دهرا ، وعندما تكلمت لم تنطق كفرا.. بل نطقت عدلا، حتى وإن تراجعت ..