استبعد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت امس، امكانية التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين بحلول نهاية العام الجاري. وبرر أولمرت هذا الحكم المسبق على مفاوضات مازالت في بداياتها رغم المدة الطويلة التي استغرقتها بزعم توسع هوة الخلافات مع الفلسطينيين حول وضع القدس الشريف. وهي المرة الاولى التي يعترف فيها ايهود اولمرت بهذه الحقيقة منذ انعقاد مؤتمر انابوليس نهاية شهر نوفمبر الماضي، والذي تعهد فيه الرئيس الامريكي جورج بوش بالتوصل الى هذا الاتفاق قبل مغادرته البيت الابيض بداية جانفي القادم. وادعى ايهود اولمرت للقفز على هذه العقبة ان يتم وضع القدسالمحتلة خارج اطار مفاوضات الوضع النهائي بهدف ربح الوقت وعدم تمكين الفلسطينيين من حقهم في اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وقال انه في نيتنا احداث آلية مفاوضات حول هذه النقطة بما يستدعي التوصل الى اتفاق على المدى الطويل. ويدرك الوزير الاول الاسرائيلي قبل غيره اهمية مدينة القدس الشريف بالنسبة للفلسطينيين وقد أراد من خلال هذا المقترح افراغ المفاوضات الجارية معهم من كل معنى لها بل وافشالها بحسابات سياسية. ومن خلال هذا الطرح يكون الوزير الاول الاسرائيلي حاول القفز على حقيقة الواقع الميداني والعراقيل التي ما فتئ يضعها لرفض المطلب الفلسطيني في جعل القدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة والتي تبقى بديهية إذا سلمنا ان المفاوضات بين الجانبين تتم في اطار حدود حرب جوان1967 . ولم يكتف ايهود اولمرت بذلك فقط بل عمد الى استثناء قضية اللاجئين الفلسطينين الذين هجروا من أراضيهم ومنازلهم عنوة في حرب الاحتلال الاولى سنة 1948 والذي مازالوا يعيشون في الشتات في ظروف مأساوية. وقال اولمرت ان حكومته لن تتحمل اية مسؤولية في عودتهم. وبمنطق المتعجرف المحتل اضاف اولمرت ان الحدود الدولية بين الكيان الاسرائيلي والدول الفلسطينية يجب ان يحظى بموافقة المستوطنين اليهود وهو ايضا منطق تعجيزي ضرب عرض الحائط بالاراضي التي ابتلعها الجدار العازل في الضفة الغربية حارما المزارعين الفلسطينيين من مداخيلهم وشتت عائلات بأكملها. وسارعت السلطة الفلسطينية على لسان نبيل ابو ردينة المستشار السياسي للرئيس محمود عباس، اننا لن نقبل ابدا بأي اتفاق لا يتضمن مدينة القدس: "وقال ان القدس الشريف تبقى خطا أحمر بالنسبة للسلطة الفلسطينية وكل الشعب الفلسطيني لا يمكن لأي كان تجاوزه ولا يمكننا ان نقبل بالتنازل عن أي شبر من الارض المقدسة". واتهم ابو ردينة ايهود اولمرت بمحاولته التنصل من التزاماته التي وقّع عليها في مؤتمر انابوليس. وتأتي تصريحات الوزير الاول الاسرائيلي في تعارض مع التفاؤل الذي طبع تصريحات مماثلة لوزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس قبل ايام عندما اكدت بإمكانية التوصل الى اتفاق حول قضايا الوضع النهائي قبل نهاية العام الجاري. وليس من محض الصدفة ان يدلي الوزير الاول الاسرائيلي بهذا التصريح اذا علمنا انها جاءت عشية لقاء ينتظر ان يجمع هذا الاسبوع بالعاصمة الامريكيةواشنطن وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني وكبير المفاوضين الفلسطينيين احمد قريع وبحضور كوندوليزا رايس لبحث العديد من القضايا الخلافية بين الجانبين. واكدت تصريحات اولمرت توقعات العديد من المتتبعين للوضع العام في اسرائيل والتي اكدت استحالة توقيعه على أي اتفاق في ظل الفضائح الاخلاقية التي تلاحقه منذ مدة والتي تكاد تعصف به وبمستقبله السياسي على رأس حكومة الاحتلال. والاكثر من ذلك ان تصريحات اولمرت اكدت ان الولاياتالمتحدة لم يعد لها أي تأثير على صيرورة مفاوضات السلام رغم انها تدعي رعايتها لها وسحبت البساط من تحت اقدام اعضاء اللجنة الرباعية الدولية ولكنها لم تتمكن الى حد الان من تحقيق أي تقدم على طريق تسوية النزاع. وامام هذا الواقع الذي تريد ادارة الاحتلال فرضه على الفلسطينيين، فإن الكرة الآن تبقى في مربع الولاياتالمتحدة والرئيس جورج بوش تحديدا الذي تعهد شخصيا بتحقيق هذا السلام قبل مغادرته البيت الابيض نهاية العام الجاري . ولكن السؤال المطروح هل يتمكن من رفع هذا التحدي وتحقيق ما عجز عن تحقيقه ممن سبقه من الرؤوساء الامريكيين الى كرسي الرئاسة في الولاياتالمتحدة؟. وهو رهان يبقى من الصعب تحقيقه خاصة وانه دخل مرحلة العد العكسي قبل مغادرة البيت الابيض وهي فترة يؤجل خلالها الحسم في قضايا بأهمية النزاع في الشرق الاوسط والتي عادة ما تترك على مكتب الرئيس الجديد الذي سيخلفه في انتخابات الرابع نوفمبر القادم.