التدافع المحموم نحو ارتهان طموحات وتطلعات شعب بأكمله على نتيجة الفريق الوطني في المونديال القادم، صرف الأنظارعن الفريق الوطني الأول المعني بالدفاع عن سمعة البلاد ومكانتها بين الأمم، والذي دخل في تحدي ورهان يتوقف عليه مصير البلد، برصد معظم مدخرات البلاد في برنامج خماسي سوف يغير وجه البلاد، إذا ما توفرت له حماية كافية من افتراس المفسدين، وتبذير المقصرين، وأكثر من ذلك إذا ما تحقق له نفس الحماس الذي أحاط مسار فريق الخضر، والروح الوطنية التي بعثت من جديد في “ أم درمان”. لا شك أن الجميع قد بارك وأثنى على الدور الذي لعبه الفريق الوطني في إحياء جذوة الروح الوطنية بما يبعث على الاطمئنان، وقد استحق المدرب واللاعبون ذلك الالتفاف الشعبي في الداخل والخراج، غير أن المبالغة في الإطراء والمدح ، وعقد رهانات وهمية على فريق هو في طور البناء، في منافسة دولية غبنا عنها قرابة ربع قرن، هو بلا ريب رهان محفوف بالأخطار، لعل اقلها أن يصاب الملايين من الشيب والشباب بإحباط خطير في حال ما جاءت النتائج دون الطموحات والرهانات المعلقة على الفريق، والتي يساهم في تضخيمها الإعلام الوطني بلا روية وحساب دقيق للعواقب، حتى أن الصخب الإعلامي الغير مسبوق حول كبائر وصغائر الفريق الوطني غطت على برنامج التنمية الخماسي الذي أعلن عنه الرئيس، باعتماد مالي ضخم، لم يسبق لأي حكومة من قبل أن رصدته بهذه الكثافة، ووفق توزيع على أهم مرافق الحياة التي تعني تنمية قدرات البلاد على خلق البيئة الأنسب، لبعث تنمية اقتصادية مستدامة، وبمضمون اجتماعي واسع في مجال الاستجابة للطلب على الشغل والسكن والتعليم والرعاية الصحية، لابد أن تكون له عوائد على المواطنين، وعلى الطبقة الأكثر حرمانا منهم. فالبرنامج غير مسبوق من عدة أوجه، ويحتاج أكثر من أي مشروع آخر، ليس فقط الى حرص الحكومة والمؤسسات المحلية في تنفيذه وحراسته من الافتراس والتبذير، كما نبه الى ذلك رئيس الجمهورية، بل هو في حاجة اكبر الى التفاف المواطنين حوله، بل يحتاج الى جمهور مناصر ناقد له، يتتبع تفاصيل انجازه، بحماس اكبر من الحماس الذي ننفقه اليوم في تتابع خطط سعدان التكتيكية، والحالة الصحية لبوقرة ومغني، والمفاضلة بين شاوشي وقاواوي، لأن مصير الشعب والبلاد لم ولن يكون أبدا مرتهنا بنتائج فريق رياضي معرض للفوز والهزيمة، تتحكم في نتائجه عوامل قد تتجاوز إرادة الطاقم الفني ولاعبيه. ويفترض منا قبل بداية المنافسة، أن نعود بجمهور الأنصار الى الأرض، ونهيئه نفسيا لتقبل النتائج كيفما كانت، على أنها محض تنافس رياضي، لن يغير من واقع البلاد والمواطنين شيئا، سواء تم إقصاء الفريق منذ الدور الأول، أو تحقق له الذهاب أشواطا بعيدة في المنافسة. لأنه مع نهاية شهر جوان، سوف تطوى المنافسة، ويعود الناس الى معاينة أحوالهم وأشغالهم وهموم بلدهم. وعلى النقيض من ذلك، فان البرنامج الخماسي الذي أخرجه الرئيس الى العلن، ضمن الوفاء بتعهداته كما قال، سوف نعيش على إيقاعه حتى نهاية سنة 2014، ولأنه مرشح لتغيير واقع البلاد، وقد يرهنه إن سلبا أو إيجابا، على قدر ما سوف توليه الحكومة ومؤسسات الدولة من صرامة وانضباط في التنفيذ، وترشيد الإنفاق، وحمايته من المعوقات البيروقراطية، وتكالب المفسدين على افتراس ما استطاعوا إليه سبيلا من ريعه، ويحتاج أكثر الى التفاف المواطنين حوله، لأن الأموال التي رصدت له هي أموال المواطن، ساهم في تراكمها، بصبره على تأجيل الانتفاع من الريع النفطي ، وتأجيل الكثير من مطالبه وحاجاته. ولابد للمواطن أن يعي، أن المبلغ الذي رصد، حوالي 286 مليار دولار يعادل 8100 دولار عن كل فرد، من ال 35 مليون جزائري ، أي قرابة 60 مليون سنتيم عن كل فرد، وهو بمقياس آخر يعادل مرتين الناتج المحلي المقدر سنة 2009 بأكثر من 140 مليار دولار، وحصة الفرد من هذا الإنفاق تزيد مرتين عن حصة الفرد من الناتج المحلي. فهو كما نرى جهد جبار، ورهان ضخم، ومقامرة محسوبة بمدخرات البلاد، لا يمكن أن نترك الحكومة ومؤسسات الدولة تتحمل وحدها مسؤولية كسب الرهان، دون أن نبحث عن سبل تجنيد لكل ما عندنا من طاقات بشرية وتنظيمية، وأكثر من ذلك، فهو بحاجة الى أن تتوفر له نفس الروح الوطنية التي اكتشفناها بكل ارتياح، خاصة عند شبابنا الذي لم يعش الحقبة الاستعمارية، وما عانى منه جيل الثورة، وأجيال كثيرة ماقبل ثورة التحرير، لكن بذرة الوطنية كانت قد زرعت فيه حتى من حيث لا نحتسب، وتعدته الى أبناء جاليتنا في المهجر من الجيل الثاني والثالث. الرهان على برنامج الرئيس الخماسي الذي سوف يغير لا محالة وجه الجزائر، إن كتب له التنفيذ الجيد، ونجا من نهب المفسدين، ومن تبذير المقصرين، هو رهان على مستقبل بلد، ولأنه قد لا تتاح لنا فرصة جديدة أخرى لتحقيق الإقلاع، والدخول في مسار تنمية مستدامة ، وسط الأعاصير التي تتجمع في الأفق، وتتربص بمعظم اقتصاديات العالم، ولأننا لم نعد نضمن، مع الانكماش الحاصل في الاقتصاد العالمي نفس العوائد التي حصلت عليها البلاد حصريا من الطفرة النفطية الأخيرة، ولأن العالم مقبل على حقبة مضطربة متقلبة، يعاد فيها توزيع الأوراق، سوف تسحق فيها الدول التي لم تستعد لها، وتجند لها كل إمكانياتها وطاقاتها. وحتى نبقى في سياق التنافس والمناصرة لكل من يساههم في الدفاع عن سمعة الجزائر، وهن ألوانها الوطنية، فان الفريق الوطني الأول المطالب على الدوام بالدفاع عن سمعة البلاد وألوانها، ومكانتها بين الدول، هو الدولة بلا منازع، بحسن بلائها في إدارة شانها، والانتقال به من منافسة الى أخرى ، ومن تحدي الى تحدي آخر، ومن بطولة الى بطولة أخرى، في هذه المنازلة العالمية بين الدول والأمم على الصدارة، وفي الحد الأدنى المنافسة حتى لا تسقط مع من يسقط الى مصاف الدول العاجزة، أو الفاشلة، أو المفلسة. والحال، أفلا يحتاج هذا الفريق الى التفاف شعب بأكمله يتحول الى فريق مناصر، يدعم حيث يجب الدعم ، وينتقد حيث يجب الانتقاد، ويحاسب حيث لا بد من المحاسبة.. وهذا ما هو مطلوب من المناصرين، سواء لفريق رياضي مثل فريق الخضر، أو لفريق أكبر وأهم اسمه الدولة، لا يخوض منافسات تتوج بكاس، بل يخوض على الدوام منافسة لكسب ألقاب في معركة دائمة ضد التخلف، والفقر، والجهل، والغلو الأعمى، والتطرف الآثم، والعنف الذي يهدم في ساعة ما تبنيه الشعوب والأمم في جيل. إن دعوة الرئيس الطاقم الحكومي للنزول الى الشارع، والاقتراب من المواطن لتحسيسه بأهداف البرنامج، ونتائجه المرجوة على حياة المواطن، ينبغي أن تشترك فيها القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني والإعلام، ليس بخطب الثناء والتزلف، ولكن بالشرح الأمين، والنقد البناء، والوقوف عند السلوكات الآثمة، التي قد تحبط البرنامج لا قدر الله. فمن العجب أن يمر الإعلام الوطني مر الكرام على البرنامج، مع ما فيه من رهانات كبيرة وخطيرة، دون أن يمنح حظه من الشرح والتفصيل، والنقد البناء، واستشراف المعوقات، والاجتهاد مع أصحاب البرنامج بأمانة وبروح وطنية متوثبة، من اجل تجاوزها، والعمل على تجنيد أنصار له، بحماسة واندفاع، يفترض أن لا تقل عن الحماس الذي ينفخ عند أنصار الفريق الوطني دون حساب للعواقب. وهي فرصة لتدارك هذا الاندفاع المغالى فيه حول الفريق الوطني، بلفت انتباه المواطن الى وجود فريق وطني آخر أهم، قد دخل مع هذا البرنامج الطموح في تحدي ورهان، لا ينبغي للبلد أن يخسره كيفما كان الثمن.