أثارت أولى الاتصالات التي أقامها دونالد ترامب، بصفته الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، ردود أفعال متضاربة في أمريكا والعالم، فيما كشفت مصادر أن تلك الخطوات الأولى لم تكن خطأ وفي الوقت الذي هاجمته فيه بكين ترامب بسبب تحدثه هاتفيا مع رئيسة تايوان، ووصفته بأنه "قليل الخبرة"، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ب ترامب، واصفا اياه بأنه "شخص ذكي".
وحسب رأي بوتين، الذي عبر عنه في تصريحات صحفية، الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول، فأن ترامب بصفته رجل أعمال كبيرا، بدأ يتفهم حجم مسؤولياته الجديدة بسرعة. وأضاف الرئيس الروسي قائلا: "يدل نجاحه (ترامب) في مجال ممارسة الأعمال، على أنه شخص ذكي. وإذا كان ذكيا، فيعني ذلك أنه سيتفهم بسرعة مستوى مسؤولياته الجديدة".
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن المكالمة الهاتفية بين ترامب ورئيسة تايوان تساي إنغ-وين، لم تكن خطأ قام به ترامب، واصفة الاتصال بأنه "خطوة استفزازية" تم التخطيط لها مسبقا، بغية كشف النقاب عن ملامح سياسة الرئيس الأمريكي الجديد تجاه الصين.
وتجدر الإشارة إلى أن المكالمة هي أول اتصال بين رئيسين أمريكي وتايواني منذ عام 1979، وتعتبر ضربة مؤلمة موجهة إلى حكومة بكين. ولذلك سارعت الإدارة الأمريكية الحالية إلى تصوير مبادرة ترامب كأنها خطأ، إذ أعلن وزير الخارجية جون كيري أنه سيكون من المفيد أن يسعى الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب إلى الحصول على توصيات من وزارته قبل التحدث مع الزعماء الأجانب.
لكن "واشنطن بوست" نقلت عن مصادر في فريق ترامب قولهم إن المكالمة الهاتفية، هي الخطوة الأولى في إطار استراتيجية جديدة ترمي إلى إحراز تقارب في العلاقات مع سلطات تايوان بموازاة اتخاذ موقف أكثر حزما باتجاه الصين، موضحة أن فريق ترامب بدأ بوضع هذه الاستراتيجية قبل أشهر، عندما كان ترامب مرشحا للرئاسة.
وبشكل عام، تدل اتصالات ترامب الأولى إلى توجهه لوضع منظومة توازنات جديدة في علاقات واشنطن الخارجية، وهو يحاول استفزاز الصين، في الوقت الذي يلوح برغبته في تحسين العلاقات مع موسكو، حليف بكين التقليدي في مواجهة موقف واشنطن على مدى السنوات الأخيرة.
قد يكون موقف ترامب من قضية تايوان، جزءا من سياسته الجديدة، التي نوه بأنها ستؤدي إلى تعديل أساليب تعامل واشنطن مع العديد من النزاعات في العالم، بينها الصراع السوري، والنزاع الهنديالباكستاني. وفيما يخص النزاع الأخير، فكان المحللون يتوقعون بأن يتخذ ترامب موقفا منحازا للهند، نظرا لوجود مصالح تجارية كبيرة لشركاته في الهند. لكن الرئيس المنتخب فاجأ الجميع، بمكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، كان مضمونها مختلفا جذريا عن تصريحاته السابقة شديدة اللهجة تجاه إسلام آباد. وفي هذه المكالمة التي أثارت دهشة الجميع بنبرتها غير الرسمية، والمفرطة في الودية والمجاملات، أبدى ترامب استعداده لمساعدة باكستان بأي طرق، وأشاد بالبلاد وبرئيس وزرائها، كما أنه قدم لاحقا مبادرة للتوسط بين نيودلهي وإسلام آباد.
وفيما يخص الأزمة السورية، فمن اللافت أن إشارات فريق ترامب حول عزمه العمل مع موسكو من أجل إيجاد حل لتلك الأزمة، تأتي بموازاة تمسك الرئيس المنتخب بموقف متشدد من قضية طهران النووية، وتسريبات تحدثت عن نية الإدارة الجديدة فرض عقوبات جديدة ضد إيران.
وإذا كان ترامب ذكيا، فهو لن يكشف، طبعا، عن كافة الأوراق التي بيديه قبل دخوله البيت الأبيض، لكن حتى الآن تبدو العديد من خطواته الأولى كأنها امتداد للسياسة الأمريكية التقليدية التي تعتمد على مبدأ "فَرّقْ تَسُدْ".