المستقبل: كيف تقيمون عودة العمليات الانتحارية بهذه القوة إلى الجزائر خاصة على محور منطقة القبائل؟ العقيد الدكتور أحمد عظيمي: السؤال يتضمن محورين: عودة العمليات الانتحارية ومحور منطقة القبائل. فيما يتعلق بالمحور الأول، لابد أن نلاحظ أن العمليات الإرهابية في الجزائر لم تتوقف منذ 1992، لكن الذي حدث هو أنه خلال السنوات الأخيرة انحصرت هذه العمليات مكانيا وزمنيا، مما يعني أن الإرهاب الموسع الذي كان يضرب في أي وقت وفي أي مكان قد انتهى وأن الاشتباكات التي كانت تقع بين مجموعات إرهابية ذات أعداد معتبرة وبين قوات الجيش الوطني الشعبي أو الأمن الوطني لم تعد تحدث. عدد المجندين الجدد، أي الذين يلتحقون بالمجموعات الإرهابية أصبح محدودا. كل هذا يجعل، في اعتقادي، المجموعات الإرهابية أكثر محافظة على حياة أفرادها، وهو ما يفسر لجوءها، خلال السنتين الأخيرتين، إلى القيام بتفجيرات عن بعد والعمليات الانتحارية أو النحرية. أقول النحرية لأن هناك اعتقادا بأن السيارات والشاحنات المستعملة مؤخرا قد تكون فجرت عن بعد وأن السائق لم يكن على علم بأنه يسوق سيارة مفخخة ستنفجر به في مكان معين. المهم، سواء كانت العمليات انتحارية أو نحرية، فالمؤكد أنها تحقق نتائج جد هامة بالنسبة للإرهابيين، فهي لا تكلفهم سوى فرد واحد، هو السائق الذي بعمله الإجرامي يغتال العشرات من المواطنين أو من رجال الأمن أو الجيش، إضافة إلى أن عمله هذا يحقق للمجموعات الإرهابية "شهرة" دولية من خلال نقل وسائل الإعلام لصور الدماء والدمار. بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، المتعلق بمحور منطقة القبائل، رأيي هو أن لذلك عدة أسباب، أولها، قرب هذه المنطقة من العاصمة التي أظن أن هذه المجموعات لم تعد تستطيع القيام بعمليات انتحارية داخلها مما يجعلها تنفذ إجرامها على تخوم العاصمة. ثانيا، لا يجب أن ننسى بأن هذه المنطقة بالذات كانت، منذ بداية الإرهاب، مجالا للجماعات الإسلامية المسلحة، التي قامت بأكبر المجازر في حق الشعب الجزائري. ثالثا، اتساع المنطقة واحتواؤها على سلاسل جبلية تمتد، تقريبا، حتى الحدود التونسية، رابعا، حساسية منطقة القبائل بالنسبة للسلطة السياسية، فاستمرار تعرض مواطني هذه المنطقة للقتل من شأنه أن يؤزم الوضع أكثر بين سكان منطقة القبائل والسلطة السياسية وهو ما يخدم في الأخير المجموعات الإرهابية. لماذا تنتهج ما يسمى بالجماعات المسلحة العمليات الانتحارية؟ إضافة لما تحققه العمليات الانتحارية من اقتصاد في أرواح الإرهابيين، كما أسلفت أعلاه، فإن العملية الانتحارية يمكن اعتبارها من الأنواع الحربية الأكثر جبنا لأن الذي يخطط لها يقوم بإقناع أو تخدير أو خداع شخص واحد يحوله إلى قنبلة تنفجر لتقتل العشرات من المواطنين الذين يكون ذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا في مكان معين وفي وقت معين. العمليات الانتحارية هي أيضا شكل من أشكال الاتصال. إنه إعلان عن البقاء والتواجد والقدرة على إحداث الكثير من الألم وإسالة الدماء، وهي بهذا الشكل عبارة عن رسالة موجهة لمن يهمهم الأمر، وهم هنا لا تهمهم الأرواح بمقدار ما يهمهم وصول الرسالة التي تهدف عادة إلى الترويع وإحداث حالة من الذعر، كما أن رسالة بهذا الشكل يضمن وصولها لأن كل وسائل الإعلام ستتكلم عنها. هم يعرفون أن الحدث الذي لا تتكلم عنه وسائل الاتصال كأنه لم يحدث.. يقومون بالجريمة فتستغل إعلاميا، ينتظرون يوما أو يومين ثم يتبنون العملية وينشرون صور المنتحرين على مواقع في الأنترنيت فتقوم وسائل الاتصال مرة أخرى بالحديث عنهم وهكذا.. الانتحار سلاح بسيكولوجي يؤثر على الأمة جمعاء ويزرع الشك والرعب في النفوس.. كما يخيف الأجانب فيجعلهم يتركون البلد... هل حقا الأجهزة الأمنية الجزائرية ملزمة اليوم بإعادة إستراتيجيتها للتصدي لظاهرة الانتحاريين التي أصبحت تستهدف أرواحا بشرية دون استثناء؟ من أبجديات العمل الأمني أن أي جهاز أمني لا بد أن يعمل باستمرار على تقييم التهديدات والأخطار التي قد تهدد أمن البلد وطمأنينة المواطنين، وأن يعيد النظر دائما في طرق عمله وحتى في تنظيمه وهياكله، إن دعت الضرورة إلى ذلك. لاشك أن الأجهزة الأمنية الجزائرية تدرك هذه الحقيقة وتعمل على تطوير أساليب عملها بالتحكم في آخر التقنيات المستعملة في المجال الأمني. هذا في الأوضاع العادية، لكن الأمر في الجزائر اليوم يتعلق بوضع غير عاد. الأمر هنا لا يتعلق بالإجرام العادي ولا بتبييض الأموال والمتاجرة في المخدرات بل بعمليات انتحارية يقوم بها أناس عاديون جدا ولا يختلفون عن باقي المواطنين في شيء. في هذه الحالة فإن وجود إرهابي واحد في مدينة كالعاصمة، من شأنه أن يحدث الكثير من الأضرار قبل إلقاء القبض عليه أو قتله. إبطال مفعول العمليات الانتحارية، وهذا معروف، يتطلب الكثير من الوقت والجهد، ولأنه لا يمكن أبدا مراقبة وتفتيش كل المواطنين وكل السيارات والشاحنات التي تتحرك في المدن وعبرها، فإن الحل يكمن في العمل الاستعلامي، أي البحث عن المعلومة في كل مكان وفي كل المجالات: شبكات سرقة السيارات وتزوير وثائقها، أسواق الأجهزة الالكترونية، الحدود خاصة الغربية منها، المواد التي تدخل في تركيب المتفجرات، عائلات الإرهابيين ومحيطهم.. لكن مجهود الأجهزة الأمنية يبقى محدودا، ما لم يدعم بما يمكن أن نسميه بالمجهود المواطناتي، فدور المواطن أساسي في مثل هذه الحالات فهو الذي ينير الطريق أمام رجل الأمن. عندما يدرك المواطن بأن أمنه الشخصي وأمن عائلته مربوط بأمن الوطن وأن الواجب يفرض عليه التبليغ والتعامل مع أجهزة الأمن لحماية الوطن وإنقاذ المواطنين من التهلكة. عندما يدرك المواطن الجزائري ذلك ويقوم بدوره المواطناتي سيصبح من العسير على قوى التخريب الاستمرار في تنفيذ اعتداءاتها على المواطنين.
ما هي قراءتكم لاستعمال أسماء أجنبية في عمليات انتحارية تقع داخل الوطن من طرف ما يعرف بقاعدة المغرب الإسلامي؟ الأمر يتعلق أولا باستعمال أسماء من التراث الإسلامي، فقد دأبت الحركات الإسلامية ثم الحركات الإرهابية على تسمية عناصرها بأسماء شخصيات إسلامية كالقعقاع وأبو الدرداء وغيرها من الأسماء الحاملة لشحنة من التاريخ، فهؤلاء الناس يعيشون بخيالهم في عصر الخلفاء وبأسماء وتنظيم ذلك الزمن. إنه نوع من الهروب من الحاضر الذي لم يتمكنوا من فهمه ومواجهته بالوسائل السلمية. هروب من الحاضر إلى ماض ذهبي لن يعود، لكنهم يريدون إعادته ولو بالتفجيرات والعمليات الانتحارية. أما الإشارة إلى بلد الشخص كالقول "أبو الدرداء الموريتاني أو المصري أو الجزائري" فالهدف منه هو الإعلان للعالم أجمع أن الأمر لم يعد يتعلق بالجزائريين فقط أو بالموريتانيين فقط بل هناك تنسيق إسلامي أو عالمي وأن المقاتلين يأتون من كل أنحاء العالم. لكن لابد من الإشارة أنه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن مشاركة أجانب في العمليات الإرهابية في الجزائر. هل أصبحت الجزائر عاجزة عن التصدي للهجمات الإرهابية وما مدى نجاعة استمرار المصالحة الوطنية؟ لا، الجزائر لم تعجز عن مواجهة الإرهاب. ليس من حقنا أن نكون جاحدين لدور الشهداء، وهم كثر، الذين واجهوا الإرهاب منذ السنوات الأولى. نعلم جميعا أن الجيش الوطني الشعبي لم يكن مهيئا لمواجهة المجموعات الإرهابية التي أخذت أعمالها شكل حرب عصابات، لأن الجيش هو جيش نظامي مدرب ومحضر لخوض حروب كلاسيكية. الجيش لم يكن مهيئا لحرب العصابات، ومع ذلك خاض هذه الحرب وأوقف ما يمكن أن نسميه بالإرهاب الموسع الذي كان يضرب في كل جهات الوطن وفي كل الأوقات. "العناصر المسلحة"، كما كانت تسميهم بعض الصحف، كانوا يتجولون بكل حرية حتى في بعض أحياء العاصمة. يبدو أن الذاكرة الجزائرية ضعيفة إلى درجة أننا نسينا أننا كنا "نبيت كالدجاج" أي ندخل بيوتنا قبل المغيب. أفراد الجيش الوطني الشعبي وباقي أسلاك الأمن دفعوا الكثير، ولولا لطف الله وتضحيات هؤلاء الشهداء لكان الوضع اليوم في الجزائر غير هذا، ولكنا اليوم مقسمين إلى دويلات شتى نقاتل بعضنا البعض، ولكانت الجزائر تحولت إلى أفغانستان أو العراق حاليا. الكثير من رفاق السلاح سقطوا شهداء دفاعا عن المواطنين والبعض، حتى الضباط منهم، تركوا أبناءهم الأيتام دون مأوى لأنهم لم يكونوا يملكون شبرا واحدا في هذا الوطن الذي ماتوا من أجله. أما عن المصالحة الوطنية، فيجب الاعتراف بأن قوانينها مكنت من عودة عدة آلاف من الجزائريين إلى بيوتهم وإلى أهليهم، وهذا أمر طبيعي، فالدولة القوية هي التي تعرف متى تصفح، وهي التي تعرف أيضا كيف تعيد ترتيب أمور البيت بما يضمن تحقيق الوئام بين المواطنين بأقل كلفة في الأرواح بالأساس. لكن الدولة القوية هي أيضا تلك التي يطبق فيها القانون على الجميع لأن هيبة الدولة في تطبيق القانون. لعل أهم ما حققته المصالحة الوطنية هو أنها نزعت الغطاء السياسي عن الإرهاب بحيث لم تعد لهم أية حجة يتذرعون بها لمواجهة الدولة، وبالتالي جعلت الشعب الجزائري يتحول من موقف المتفرج على ما يجري إلى موقف الرافض لممارسات الإرهاب الذي فقد كل حججه. ماذا علينا فعله كي نواجه هذا الأخطبوط الدموي؟ هذا هو السؤال الذي كنت أنتظر طرحه منذ البداية. ماذا يجب أن نفعل؟ تحدثت عن المصالحة الوطنية وأضيف هنا أننا، في الجزائر، حاربنا الإرهاب أمنيا وواجهناه بقوانين المصالحة الوطنية. المعالجة الأمنية قضت على الإرهاب الموسع، والمواجهة القانونية نزعت كل شرعية عن العمل المسلح ضد الدولة. وتوقفنا هنا. الإرهاب فكرة وما لم يتم اجتثاث الفكرة فالإرهاب سيستمر. عندما يبقى شخص واحد حاملا لفكر الإرهاب والتمرد على الدولة ومؤسساتها عن طريق العنف، فإن هذا الإرهابي الواحد، وفي ظل ما نعيشه من قهر اجتماعي وتضييق على الحريات وغياب للمثل والنموذج واختلاسات مالية بآلاف المليارات والرشوة، يستطيع أن يجند إرهابيين آخرين يشكل بهم مجموعة تتفرع فيما بعد إلى عشرات المجموعات. إذن لا بد من اجتثاث الفكرة من الأساس. لابد من استراتيجيبة طويلة المدى تهدف إلى "بناء" المواطن الجزائري الجديد الذي ينبذ العنف بكل أشكاله. جزائري يقبل على الحياة ولا يقبضها، يبني ولا يدمر، يقبل الآخر ولا يلغيه أو يرفضه.. الإستراتيجية الطويلة المدى لابد أن تعتمد، فيما تعتمد عليه، على أربعة قطاعات أساسية هي البحث أولا، المدرسة ثانيا، المسجد ثالثا والتلفزيون رابعا. البحث هو اليوم من أهم المجالات التي توليها الدول الكبرى كل العناية والاهتمام. لحد اليوم لا يوجد، حسب علمي، مركز بحث واحد تابع للقطاع الخاص متخصص في دراسة الإرهاب، فكيف نفهم ظاهرة ما ونحاربها إن لم ندرسها؟ المدرسة الجزائرية هي شفهية إلى أقصى درجة. كل المواد فيها تعتمد على الحفظ وليس على التفكير. لابد أن تحور برامج هذه المدرسة لتكوّن طفلا لا يقبل بتدمير الذات. طفلا يناقش كل ما يقترح عليه من أفكار، ولا يندفع إلا فيما يخدم مصالحه ومصالح المحيط الذي يعيش فيه. المسجد هو أكبر فضاء اتصالي في الجزائر، خطابه لا زال يتم بلغة عربية راقية ليست في متناول العامة من الناس مما يجعلهم يستمعون دون أن يفقهوا. المثل والنموذج في خطبة الجمعة هو من زمن غير زمننا هذا، وكأن الأمة الإسلامية عقرت فتوقفت عن الولادة منذ القرن الأول الهجري. الخطاب المسجدي، حتى ينفع المؤمنين، لا بد أن يحور. لابد من متخصصين للعناية بالخطاب المسجدي ولابد من دراسة مدى تأثير هذا الخطاب حتى نعدله بما يضمن وصول مبادئ الدين الإسلامي الحنيف إلى المواطنين دون تشويه. أما ما تعلق بالتلفزيون فيكفي أن نلاحظ أن الجزائر هي اليوم من البلدان القليلة في العالم التي لم تفتح بعد مجال السمعي البصري للقطاع الخاص مما جعل الرأي العام الجزائري يسلم جملة وتفصيلا إلى القنوات الأجنبية. المعروف أن قناة عمومية لا تستطيع مهما بذلت من جهد تلبية كل الرغبات وتغطية كل الأخبار، وعليه فإن فتح مجال السمعي البصري للقطاع الخاص قد لا يخدم السلطة لكنه يخدم البلد إن فتح بعد وضع قوانين تحكمه ودفتر شروط واضح ومحدد. وجود قنوات خاصة، حسب دفتر شروط، ووجود هيأة عليا للسمعي البصري، من شأنه أن يعيد المشاهدين الجزائريين إلى البيت الجزائري، ومن هنا تساهم هذه القنوات في المجهود الوطني الهادف إلى إعادة بناء المواطن الجزائري الجديد. هذه العناصر الأربعة ضرورية لكنها ليست كافية إن استمرت الحال على ما هي عليه من تهميش للكفاءات النزيهة والنظيفة وتفضيل لأنماط بشرية لا تعرف من السياسة سوى المديح. وأيضا في غياب أي دور للأحزاب السياسية والمجتمع المدني. أيمكن أن نربط العمليات الانتحارية بالأوضاع الاجتماعية المعقدة في الجزائر؟ أم بمشاكل سياسية لا نعرف جذورها لحد الآن؟ الأوضاع الاجتماعية قد تؤدي إلى ثورة شعبية وليس إلى الإرهاب. هناك دول عربية وإسلامية أوضاعها الاجتماعية أسوأ بكثير من أوضاع الجزائريين ومع ذلك لم يتحول شبابها إلى الإرهاب. لا يمكنني المغامرة بالحديث في هذا الموضوع لأنه لم يدرس أصلا. ما الذي يجعل الجزائري يتحول إلى وحش أدمي يقتل المئات دون تأنيب ضمير؟ لا بد من دراسة هذه الظاهرة بكل جدية وبكل موضوعية حتى يمكن وضع علاج لها. أيمكن أن نقول حقا إن العمليات التي تحصد الأرواح هي فعلا من إمضاء القاعدة ؟ ومن تكون هذه القاعدة التي تضرب في أمريكا وفي أفغانستان وفي العراق وفي الجزائر ومالي وموريتانيا.. ولا تضرب إسرائيل؟ لا، لنكن أكثر جدية.. لنترك العاطفة جانبا ونحاول أن نحلل الأمور بنظرة نقدية. المتخصصون الذين درسوا صور وأشرطة هجمات 11 سبتمبر كلهم أكدوا بأن هذه العمليات تطلب تحضيرها إمكانات هائلة إضافة إلى توفر كم هائل من المعلومات وخبرة دقيقة في مجالات مختلفة. عمليات مثل هذه تحضر على مستوى الدول الكبرى. إن الذي وقع يوم 11 سبتمبر ليس عمليات إرهابية بل هجوم خطط له وحضر ونفذ بإمكانيات دولة عظمى، ومن المستحيل أن يكون بإمكانات مجموعة من ''البدو'' المتخندقين في مكان ما تحت الأرض. أعتقد أن ما يجب أن يثار حول العمليات الانتحارية وحول ما يشاع من انضمام بعض التنظيمات الإرهابية لتنظيم القاعدة هو ما تعلق بالمستفيد من الجريمة؛ أليس معروفا أن وراء كل جريمة مستفيدا؟ المستفيد هنا بلا منازع هي الدولة التي تفرض هيمنتها التامة على العالم وتسيطر على منابع البترول في العالم العربي. وهنا أطرح فقط السؤال التالي: من خلق القاعدة وسلحها ودربها؟ أليست المخابرات الأمريكية هي صاحبة الشرف؟ عندما أشاهد الأشرطة التي ترسلها القاعدة إلى القنوات الدولية أتألم أحيانا لحال هؤلاء المساكين ذوي اللحى الرثة والذين يرتدون بعض الأسمال ونراهم يقشرون البصل ويتدربون، كالمراهقين، على حركات يؤديها الأطفال في قاعات الرياضة. وما قراءتكم للتحذيرات التي تطلقها السفارات الأجنبية المعتمدة بالجزائر. في بيانات السفارة الأمريكية، لأنها المعنية بالأمر، حددت حتى الأماكن التي ستتعرض لتفجيرات إرهابية؟. السفارة الأمريكية بررت موقفها، وقتها، في بيان وزعته على الصحافة بكون ما نشرته هو من الأمور المعمول بها في كل سفارات الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر العالم. هذا صحيح، ومن حق سفارة هذا البلد أن تنبه رعاياها للأخطار التي قد تعترضهم، لكن أن تذهب إلى حد تحديد المكان والزمان، فهنا الأمر لا يحتاج إلى باحث في الاتصال لتحليل محتوى البيان. أظن أن الولاياتالمتحدة وجدت وسيلة تهيمن من خلالها على الدول الضعيفة وخاصة العربية والإسلامية منها. هذه الوسيلة هي القاعدة. إنهم يضحكون على الحكام العرب بتخويفهم بهذا الغول المسمى القاعدة. إن القاعدة هي من صنع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي استعملتها ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان، وبالتالي من حق أي باحث عن الحقيقة أن يشك في أن مخابرات هذا البلد لا زالت تحرك خيوط القاعدة حتى ولو كان قادة التنظيم يعتقدون أن القرارات صادرة عنهم. الولاياتالمتحدةالأمريكية المهزومة في العراق تحاول تشويه المقاومة العراقية من خلال عمليات إرهابية تقوم بها القاعدة في هذا البلد كما تحاول إبعاد اهتمامات الرأي العام العالمي عن العراق وتحويل أنظاره إلى جهات أخرى من العالم. هل يعقل أن يهدد الصومال مثلا والذي يموت أهله جوعا أمن أقوى دولة في العالم؟ هل التصعيد الأمني المراد هدفه خلط الأوراق بالجزائر وإنشاء قواعد أمريكية هنا؟ من المعروف أن الولاياتالمتحدة تضغط على الجزائر من أجل إقامة قواعد عسكرية على أرضها، ولأننا في زمن لا تستطيع فيه أية دولة عربية مخالفة الإرادة الأمريكية، فغير مستبعد أن تلجأ هذه الدولة إلى استعمال كل الوسائل من أجل تحقيق مآربها. ألم يدمروا العراق ويشنقوا رئيسها اعتمادا على كذبة الأسلحة الكيماوية؟ فما الذي يمنعهم من القيام بنفس الشيء في الجزائر التي هي دولة مركز وليست دولة هامش؟ لنتصور اليوم أن الجزائر، بكل ما تملك من قوة بشرية جد حيوية وعلى قدر من التكوين إضافة إلى ثرواتها المعدنية، تتمكن من الانطلاق في التنمية على أسس صحيحة ويتم الانتقال إلى الديمقراطية الحقة بكل ما تحمله من تداول على السلطة وحرية التعبير واحترام الآخر والتسامح... لنتصور ذلك ولنتصور أيضا الزلزال الذي ستحدثه جزائر حرة عصرية أصيلة وديمقراطية في عمق الأنظمة العربية التي لا زال بعضها يحرم على المرأة سياقة السيارة ولا يؤمن إطلاقا بالتداول على السلطة. إن وضعا ديمقراطيا في العالم العربي لا يخدم أبدا المصالح الأمريكية بل بالعكس.