لماذا تلقى الأفلام التي يكون فيها الإنتاج مشتركا بين الجزائروفرنسا أو بالأحرى بين فرنساوالجزائر تشجيعا في المهرجانات السينمائية العالمية الغربية وحتى العربية وتسلم لها جوائز، ولا تلقى نظيرتها من الأفلام التي يتم إنتاجها من قبل الجزائر فقط نفس التشجيع حيث لا تسلم لها جوائز ؟ نطرح هذا السؤال الجديد القديم بعد النتائج التي انبثقت عن مهرجان دبي السينمائي الدولي حيث فاز فيلم " مسخرة " للمخرج الياس سليم بجائزة أفضل فيلم في مسابقة المهر الذهبي، كما حصل فيلم "آذان " للمخرج المغترب رباح عامر زعميش على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة أفضل موسيقى وجائزة أفضل مونتاج، في حين لم يحظ فيلم "أسد الجزائر " للمخرج الكبير أحمد راشدي حتى بالدخول ضمن الأفلام المبرمجة في المسابقة . في انتظار معرفة الأسباب الحقيقية لقصة هذا الفيلم مع مهرجان دبي وخلفيات ما حدث في الطبعة الخامسة من هذا المهرجان السينمائي العربي من قبل المعنيين بالأمر أي طاقم الفيلم سواء المخرج أحمد راشدي أو المنتج والسيناريست الصادق بخوش، يبدو إن العوامل التي أدت الى محاولة تجاهل فيلم "أسد الجزائر" هي نفس العوامل التي كانت وراء تجاهل عدة أفلام جزائرية أخرى في السابق كانت لها قيمة فنية وتاريخية كبيرين ولم تنل اهتماما ولا تشجيعا ولم تلق بالتالي تتويجا. فالمهرجانات السينمائية تتعامل مع الأفلام مثلما تتعامل الديمقراطية الأمريكية مع الانتخابات الرئاسية التي تتحكم فيها التوازنات والمصالح وحتى التجارة في الأسلحة وأسعار البترول، وهذه المرة شعرت الولاياتالمتحدةالأمريكية إن مصيرها أصبح مهددا بفعل الخطايا التي ارتكبتها الإدارات السابقة وبالخصوص إدارة بوش والمحافظين الجدد، نتيجة الغضب والاستياء والعداء الذي أصبحت تلقاه الدولة الكبرى ليس فقط من قبل العرب والمسلمين بل حتى من قبل الغربيين ذاتهم وعلى رأسهم الأوربيون، فلجأت الى صناعة رئيس اسود هو باراك اوباما له أصول افريقية وخلفيات اسلامية من ابيه واخته وجدته اللتين مازالتا تقطنان في كينيا . وعلى سبيل المثال كرم مهرجان القاهرة الأخير مسلسل "الملك فاروق" رغم إن البطولة المطلقة كانت لممثل سوري، وبما إن المسلسل يتناول سيرة حياة آخر ملوك مصر، ومعظم الممثلين فيه مصريون فإن تكريمه من المهرجان كانت ضرورة، وفي الحقيقة فالمسلسل ناجح ويستهل كل تتويج. لكن رغم ذلك فإن عدم حصول مسلسل "باب الحارة " في جزئه الثاني على تقدير من نفس المهرجان يعتبر اجحافا في حق الدراما العربية، وليس لأن المسلسل سوري ويحكي الحياة الشامية فهو غير قابل للتويج في مصر . وعلى كل حال فانه قد حدث في دمشق نفس الشيء الذي حدث في القاهرة حيث توج مسلسل "باب الحارة " بعدة جوائز وأقصي "الملك فاروق" من أي جائزة، بل لم يتم تكريم حتى بطله الرئيسي الذي هو سوري. فقضية التتويج الانتقائي موجودة في مهرجاناتنا العربية أيضا سواء بحضور أعضاء غربيين في لجان التحكيم او بدون حضورهم . وفي المسلسلين المذكورين طرحت حسابات محلية بحتة ولم تطرح قضية الانتاج لأن منتج المسلسلين واحد هو شركة "ام بي سي " . لكن مسألة الانتاج تطرح بحدة في المهرجانات الغربية، فمثلا في مهرجان "كان" الفرنسي يتم تتويج الأفلام التي يتم إنتاجها من قبل الفرنسيين، ثم الغربيين عموما والمعروف إن المنتج حتى ولو كان مشاركا بجزء فقط يفرض وجهة نظره على مخرج الفيلم، ووجهة النظر الغربية تتمثل في مثل هذه الحالات في إظهار سلبيات مجتمع المخرج وتضخيمها، والتركيز على كثير من الأمور التي تعتبر شاذة او غير مقبولة في ذلك المجتمع غير الغربي، فمثلا بالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية يتم تتويج الأفلام التي تدعو الى اظهار المرأة بشكل مقموع، كما يتم اظهار حالات الشذوذ الجنسي وغيرها من الأمور التي يعتبرها الغرب وبعض الأفراد المتأثرين بثقافته من "الطابوهات" والممنوعات التي ينبغي إزالتها من المجتمعات العربية . ونظرا لقلة مصادر التمويل المادي للأفلام في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية يلجأ المخرجون الى التمويل الغربي وفق الشروط التي يحددها هؤلاء. وتدخل في هذه الشروط مسائل سياسية أيضا، فمهرجان "كان" لم يكرم المخرج المصري الكبير يوسف شاهين إلا بعد سنوات طويلة من مشواره الفني وحتى عندما تم تكريمه كان ذلك عن مجمل اعماله وليس عن عمل فني واحد في حد ذاته رغم أن كل فيلم من أفلام شاهين يحتاج الى تكريمات وجوائز عديدة . ويبقى العربي الوحيد الذي تم تكريمه هو الجزائري محمد لخضر حمينة في منتصف السبعينيات عن فيلم "سنوات الجمر" والذي يتطرق الى الآثار السلبية ومنها الفقر والبؤس الاجتماعي التي خلفها الاستعمار الفرنسي في الجزائر ويحمل الفيلم جزءا من الوضعية المتردية للجزائريين في السنوات الأولى من الاستقلال والذين كانوا يخدمون في الادارة الاستعمارية ومنهم"القياد". فالعامل السياسي يبرز واضحا لتتويج أي عمل فني قادم من دول العالم الثالث خاصة من العالم العربي. فإن لم تكن الأعمال الفائزة تخدم الأفكار التي يدعو إليها الغرب، وان لم تكن مهادنة له فإنها لن تحصل على أي تتويج، بل وصل الأمر الى أعمال تم تتويجها لسبب واحد هو مناصرتها للأطروحات الغربية ومنها التطبيع مع إسرائيل ويدخل في هذا السياق أيضا الأعمال الأدبية، فجائزة نوبل للأدب لم تكن لتسلم للأديب العالمي نجيب محفوظ لولا انه كان مؤيدا للتطبيع مع إسرائيل، رغم إن نجيب محفوظ يستهل أكثر من جائزة نوبل واحدة نظرا لما قدمه للأدب العالمي. وفي الجزائر اشتكى الأديب والروائي الكبير رشيد بوجدرة من الضغوط التي تمارسها دور النشر الفرنسية على الكتاب والروائيين الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية حيث تمت محاصرته ومقاطعته عندما تحول للكتابة بالعربية، والحال إن معظم الكتاب الذين تصدر لهم روايات عن دور النشر الفرنسية لا يخرجون عن دائرة الارتماء في احضان الفكر والاستراتيجية الفرنسية اتجاه الدول العربية والاسلامية . "أسد الجزائر" إنتاج جزائري للمخرج الكبير أحمد راشدي عن بطل الثورة الجزائرية ومفجرها في منطقة الأوراس مصطفى بن بولعيد الذي مول الثورة بماله الخاص حيث باع حافلات النقل التي كان يملكها واشترى بها أسلحة. وقال للثوار يوم أطلقوا الرصاصة الأولى في أول نوفمبر 1954 ، مقولة مازال صداها يتردد في الجبل الأبيض بأريس وهي " أنتم الآن أحرار" ، كان قائد الهروب الكبير من سجن الكدية بقسنطينة، عارض تنظيم مؤتمر الصومام وتم اغتياله بطريقة مازالت تحمل الكثير من الملابسات. فيلم "أسد الجزائر" هو إعادة اعتبار لبطل الثورة الذي لم تنصفه سنوات الاستقلال ولم تخصص له شارعا كبيرا بحجم كبر دوره في الثورة ومشاركته في تاريخ الجزائر الحديث مثل بقية كبار قادة الثورة الآخرين، ويبدو إن فرنسا لم ترض بتسمية شارع كبير باسمه سابقا ولن ترضى الآن بتتويج فيلمه. لكن يكفي الفيلم فخرا انه كرمه الرئيس بوتفليقة بحضور عرضه الشرفي في الجزائر، و"الأسد" يكرم في عرينه ولا يحتاج الى الخروج منه .