استمرت حرب المصطلحات طيلة أيام العدوان على غزة، مدلّلة على أهمية المصطلح في الحرب النفسية والدعائية والسياسية ولذلك تأتي أهمية الألتفات إلى هذا المجال الذي يستند إلى خلفية سياسية ويترتب على إطلاق الألفاظ على علاّتها نتائج سياسية أيضا. حركة تحرير أم تنظيم إرهابي؟ حاولت الدعاية الصهيونية قبل وبعد الحرب التعامل مع مصطلح الإرهاب للدلالة على حركة حماس وغيرها من الفصائل، في محاولة لإقناع الغرب بأنّ إسرائيل تشكل قاعدة متقدمة لمكافحة الإرهاب في المنطقة، والواقع أنّ ذلك ينطلي على مغالطة واضحة هدفها تشويه صورة المقاومة وحشد الغرب لتأييد العدوان من جهة، واستعمال الفيتو ضد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ولذلك لا بد أن يكون واضحا أن المقاومة كرد فعل على الاحتلال هي حركة تحرير وطني تستمد شرعيتها من القانون الدولي. فالإرهاب هو استخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية والتأثير في الرأي العام ولا يستند إلى أي شرعية كانت، أما المقاومة فإنها تتميز بالشرعية وهدف التحرير. الشرعية والانقلاب ومن أهم ما لاحق المقاومة في الداخل والخارج، هو اعتبارها حركة انقلابية منفصلة عن الضفة الغربية، وفي ذلك مغالطة أخرى تستهدف رفع غطاء الشرعية الوطنية عن حركة حماس واستهداف مشروعيتها في تمثيل سكان الضفة والقطاع. وقد سمعنا هذا الخطاب في الداخل الفلسطيني وفي المحيط الإقليمي فضلا عن الدعاية الصهيونية والغربية. والحقيقة أن حركة حماس، حركة سياسية نالت ثقة المواطنين في تلك المناطق في انتخابات شرعية شهد لها الجميع بالنزاهة. وما قامت به في غزة لم تقم به كحركة وإنما كحكومة ضد مجموعة من الانقلابيين المرتبطين بأوسلو ونتائجها. فالحكومة الفلسطينية الشرعية تحركت كأي حكومة في العالم لحماية الديمقراطية والقضاء على الفوضى الأمنية، فلا يعقل أن تنقلب الحكومة على نفسها وهي تتحكم في السلطة حكومة وبرلمانا. ولم تتطرف حماس في فهم الشرعية فقد اعترفت للرئيس الفلسطيني بشرعيته، ولكنها رفضت القراءة المجزوءة لمفهوم الشرعية. تمثيل الشعب أو سكان المناطق الانتخابات الفلسطينية حسب اتفاق أوسلو هي حق لسكان مناطق الضفة والقطاع فقط، وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني لم يمارس حقه في الاختيار بعد، فلم يشارك اللاجئون ولا سكان أراضي 1948، في الانتخابات، ولذلك فإن الحكومة والرئاسة والمجلس التشريعي هي تعبير عن سكان المناطق المحتلة في مناطق الحكم الذاتي دون غيرها، ولذلك ليس لأحد الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطيني وقد كانت حماس صريحة على لسان العديد من مسؤوليها حين أكدت بأن محمود عباس أبو مازن هو رئيس للسلطة الفلسطينية وليس للشعب الفلسطيني الذي لم تتأسس دولته حتى يستشار فيمن يحكمها، ولذلك اقترح العديد من الباحثين ضرورة تشكيل حكومة منفى وبرلمان فلسطيني يعبران عن مجموع الشعب الفلسطيني ليؤدي ذلك لبروز قيادة وطنية تمثيلية تعبر عن طموحاته المشروعة في تقرير المصير. إعادة الانتشار والانسحاب نصت اتفاقية أوسلو ولواحقها على إعادة الانتشار للقوات الإسرائيلية، وإعادة الانتشار لا تعني الانسحاب وإنما إعادة تموضع للقوات فقط. وتتمسك "إسرائيل" ككيان معادٍ بمصطلح إعادة الانتشار الذي يؤكد استمرار الاحتلال بطريقة جديدة، يقول كلوفيس مقصود المندوب السابق لجامعة الدول العربية في الأممالمتحدة في خطاب للرئيس الراحل ياسر عرفات "إن اسرائيل لا تعترف بأنها في الأراضي المحتلة هي سلطة محتلة.. بمعنى آخر إن ما يسمى بالإنسحاب من أريحا وغزة ليس انسحابا بالمعنى القانوني أو بما ينسجم مع بنود اتفاقية جنيف الرابعة، كون الإنسحاب يكون من أراض محتلة وعندما يتم الإنسحاب تصبح الأراضي التي تم الإنسحاب منها أراضي محررة". ويضيف أن الإنسحاب يجعل اتجاه الحكم الذاتي آلية مؤقتة لتنفيذ قرارات الأممالمتحدة، أما إعادة الإنتشار فتعني أن الإتفاقية الموقعة هي بديل للشرعية الدولية. إن حرب المصطلحات هي جزء من المعركة السياسية وعلى الساسة والباحثين والإعلاميين العرب أن يعيدوا قراءة المصطلح بما يخدم استراتيجية المقاومة وليس للمشاركة في الحرب الدعائية ضدها. علي لكحل أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام