أكد المدير العام لإدارة السجون، مختار فليون، على أهمية "إعداد برنامج نموذجي جديد" يرمي إلى تحسين مستوى تسيير السجون تماشيا مع المعايير المعمول بها دوليا. وذكر فليون في ندوة صحفية نشطها بمعية خبيرين من المركز الدولي للدراسات السجنية بلندن بأهمية التوصل إلى تسطير "برنامج استراتيجي" من شأنه تحسين مستوى تسيير المؤسسات العقابية وفق ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. ولتحقيق هذا المسعى -أشار فليون -إلى التعاون القائم بين الجزائر والعديد من الدول الرائدة في مجال تسيير السجون لا سيما مع بريطانيا للاستفادة من تجاربهم ل "ترقية وأنسنة ظروف الحبس". وفي هذا الإطار ذكر فليون بالبرنامج الثنائي القائم بين الجزائر وبريطانيا في هذا المجال والذي ينقسم الى مرحلتين. وقد شرع في تطبيق هذا البرنامج المذكور في مرحلته الأولى، كما قال المتدخل نفسه في جويلية 2007 ودام الى غاية مارس 2008 تم خلاله ارسال إطارات جزائرية مختصة في إدارة السجون إلى بريطانيا للاستفادة من تكوين في مجال تسيير المؤسسات العقابية هناك. كما سمحت هذه الزيارة إلى الاطلاع على مختلف أنماط تسيير السجون ببريطانيا وكيفية التكفل بمختلف الحالات لا سيما تلك الخاصة بفئة المدمنين ومرضى الأمراض العقلية والنساء السجينات. ومن جهتهم كان عدد من الخبراء البريطانيين قد زاروا الجزائر في نفس الفترة للاطلاع على طرق تسيير السجون ومراكز إعادة التربية الخاصة بالأحداث والتعرف على كيفية التكفل بالمحبوسين لا سيما فيما يخص التغطية الصحية والتعليم والتكوين. وقد استفاد مسيرو المؤسسات العقابية خلال تواجد هؤلاء الخبراء بالجزائر من تكوين تم خلاله التعريف بالمعايير المعمول بها دوليا في مجال تسيير السجون. في حين انطلقت المرحلة الثانية من البرنامج المذكور -كما أضاف المسؤول ذاته- في جوان 2008 وستدوم إلى غاية 2010 يتم خلالها إعداد برنامج نمطي جديد لتسيير السجون في الجزائر تماشيا مع المعايير الدولية. وستستفيد من هذا البرنامج في البداية أربع مؤسسات عقابية نموذجية وهي سجون "الحراش بالجزائر العاصمة ومحمد بوصوف بقسنطينة وتيجلابين ببومرداس وسجن بوفاريك بولاية البليدة" على أن يعمم هذا البرنامج مستقبلا على جميع السجون بالوطن. وأبرز فليون أهمية الاستفادة من خبرات البلدان الرائدة في مجال تسيير السجون، مشيرا إلى كل الجهود التي بذلت قصد "أنسنة شروط الحبس والتكفل بالمحبوسين لإعادة إدماجهم في المجتمع". وبالرغم من أن "ظاهرة الاكتظاظ" ما تزال منتشرة في المؤسسات العقابية كما أشار فليون فإن "شروط التكفل بالمحبوسين قد تحسنت كثيرا" مذكرا في هذا الشأن ب "التكفل الصحي والتعليم والتكوين وأنسنة التعامل مع المساجين تماشيا مع الأنماط العصرية واحتراما لمبادئ حقوق الإنسان". وذكر بمشاريع بناء عدة سجون أخرى للتخفيف من الاكتظاظ وكذا بالإجراءات الأخيرة التي اتخذت للتذليل من هذه الظاهرة. كما ألح على وجوب إشراك المجتمع المدني في مسعى إدماج المحبوسين باعتباره "أنجع وسيلة للمساهمة في مكافحة الجريمة". وذكر المسؤول ذاته في هذا الشأن بأنه سيتم خلال العام الجاري إدخال المحبوسين الذين هم في فترة انقضاء عقوباتهم في برامج ذات النفع العام، معلنا في نفس الوقت بأنه سيشرع قريبا في تطبيق هذا الإجراء الجديد على الأشخاص من مرتكبي الجنح الخفيفة عوض اللجوء الى سجنهم. ويقوم المعني بهذه العقوبة -كما أوضح فليون- ب "عمل ذات نفع عام دون أن يتقاضى راتبا ماليا على ذلك، على ان يقوم القاضي بتحديد ساعات عمله". من جهته، تدخل الخبيران البريطانيان من المركز الدولي للدراسات السجنية، اندري بركلي ووايت ايستار بالوي، في هذه الندوة الصحفية ليؤكدا على أهمية هذا التعاون القائم بين الجزائر وبلدهما والذي يهدف إلى اطلاع مسيري السجون الجزائرية على تجاربهما في مجال تسيير المؤسسات العقابية تماشيا مع المعايير المعمول بها دوليا. وبعد أن ذكرا بالأهمية الأكاديمية التي يتحلى بها المركز الدولي للدراسات السجنية بلندن في إعداد دراسات من شأنها تحسين مستوى تسيير المؤسسات العقابية على المستوى الدولي أشار الخبيران إلى أنهما يعملان حاليا مع الجهات الجزائرية لتحقيق مقاربة حول كيفية تسيير السجون. وأبرزا أهمية التكفل بالجانب الإنساني في تسيير السجون من خلال احترام مبادئ حقوق الإنسان والأخذ بعين الاعتبار انشغالات المساجين الأساسية كالتغذية والصحة والتكوين والتعليم والترفيه وضمان الشروط الأمنية لهم. وبعد أن أشاد الخبيران ب "المستوى الجيد" الذي حققته الجزائر في إصلاح المؤسسات العقابية وتوفير كل هذه الشروط المذكورة أشارا إلى إشكالية الاكتظاظ التي ما زالت تعاني منها السجون. غير أنهما أكدا أن فكرة بناء سجون جديدة ليست ب "الحل المناسب" بل يستدعي -كما اوضح الخبيران- اللجوء الى تكثيف التعاون الدولي لإيجاد حلول بديلة لذلك للتخفيف من ظاهرة الاكتظاظ كتطبيق العقوبة ذات النفع العام لفائدة الأشخاص الذين ارتكبوا أخطاء خفيفة. وألح الخبيران على وجوب تعزيز العمل الدولي في هذا المجال لتحسين شروط الحبس وأنسنة معاملة المحبوسين واحترامهم والسعي إلى إدماجهم مجددا في المجتمع.