صحيح أن الإنسان هو أعظم وأجل مخلوق صنعته يد البارئ، صحيح أنه يفوق ويتفوق على غيره ممن يعمرون الأرض بعقله، بذكائه، بحيله، بوسائله، ولكن.. عندما يتخلى عن عقله ينزل إلى الحضيض الأسفل ليصبح رهن نزواته وشهوات الحيوانية، فيتساوى مع باقي المخلوقات وأحيانا لا يرقى إلى مستواها لأنها تسير وتتصرف وفق فطرتها وطبيعتها، أما هو، فإنه يكفر ويتجرد من طبيعته فيمرق من ناموس الحياة. ليته لا تأخذه العزة بالإثم والكبرياء والتجبر فيتعلم ممن يقاسمه العيش على هذا الكوكب، أقصد بذلك الحيوانات وكم كثيرة هي الدروس التي نستطيع أن تعلم منها. وإنني أذكر جيدا، كوني ترعرعت في منطقة أقرب إلى البادية من الحضر، وما تزخر به من طبيعة ومن حيوانات كنا نعرفها جيدا ونعلم الكثير عن تفاصيل حياتها.. فالذئب مثلا يعيش في جماعات منظمة يقودها الأكبر سنا والأقوى وتأتمر باقي المجموعة بأوامره، فإذا طال به الأمد وخرج من الفرقة ذئب شاب أراد منافسته في قيادة المجموعة، فإنهما يتعاركان فإن غلب الذئب الأكبر "أي القائد"، فإن المغلوب، الذئب الشاب الطموح يمد عنقه أمام الغالب فيعضه الأخير دون أن يطبق عليه فكيه بقوة حتى لا يؤذيه، ثم يتركه ويعتزل الجماعة كلها، حتى وهو غالب، ليعيش بقية عمره وحيدا فريدا في الغابة والفيافي، لقد أدرك- هل أقول بفطرته أم بذكائه- بأنه أصبح غير مرغوب فيه وأن هناك من يطمح إلى الحكم مكانه، وإن حصل العكس أي الذئب الشاب غلب، فإن الأكبر المغلوب يمد رقبته أمامه وعلى الأخير أن يقتله لأنه يفضل الموت على أن ينهى حياته القيادية بهزيمة.. ويتولّى الشاب قيادة الجماعة إلى أن يأتي دوره.. وهنا يُطرح السؤالُ نفسه، هل في مجتمعاتنا البشرية من يتقبل الهزيمة ويتنحى عن مكانته بسهولة وبروح التسامح؟ ويتنازل عن الحرص المدمر ليضع يده مع الجماعة ويذعن لرأيها حفاظا على المصلحة العامة بعيدا عن المصلحة الآنية وغطرسة الأنانية.. الحيوانات عاشت راضية منظمة في مجتمعاتها ومحيطها الطبيعي حتى طالتها يد الإنسان فاكتسحت عالمها وسحقتها فانقرض جلها، ليت ذلك كان لمنفعة بل لنزوة عابرة.. فأيهما أعقل يا ترى..؟؟