تعيش الإنسانية اليوم أرقى مستويات التقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي انعكست إيجابا على مختلف مظاهر الحياة اليومية، وتحولت حقوق الإنسان والديمقراطية والحوار والتعاون إلى شعارات براقة تبنتها مختلف الدول والهيئات الأممية لتحقيق السلم والاستقرار. إلا أن الغريب في الأمر أن تقدم البشرية لم يوقف "شراهة" السباق نحو التسلح واللجوء إلى القوة والعنف والحروب، وإنفاق مئات المليارات كميزانيات للدفاع. والأخطر في كل ذلك ظهور همجية شرسة تجتاح العالم ضد الإسلام والمسلمين حيث تحول الإسلام من دين سماوي تنادي تعاليمه بالسلم والحوار ونبذ العنف والإكراه إلى دين ينتج التطرف والإرهاب والقتل، وأصبح المسلمون رمزا للتخلف ومعاداة الحضارة مما يستلزم محاربتهم وحتى إبادتهم إذا اقتضى الأمر. وتهيمن هذه المعادلة على السياسات العالمية تجاه المسلمين، فلا يمر يوم إلا ونرى على شاشات الفضائيات أبشع صور القتل والدمار للمسلمين في بلدانهم أو في الدول التي يشكلون فيها أقلية. ومن خلال الأحداث الأخيرة من الصين الشعبية شرقا مرورا بأفغانستان والعراق إلى نيجيريا غربا تظهر الصورة بشكل أوضح، حيث بات قتل المسلمين جريمة لا يعاقب عليها ولا تستلزم التنديد من قبل المجتمع الدولي، ولا يكترث لها حتى أولئك الذين جعلوا من حقوق الإنسان دينا جديدا لهم؛ فقد أكدت ربيعة قدير زعيمة المنشقين الاويغور في تصريح لها بطوكيو أن قرابة عشرة آلاف شخص اختفوا في ليلة واحدة في اور متشي عاصمة اقليم شينجيانغ الصيني الذي شهد مواجهات دامية أدت إلى مقتل 197 شخص حسب السلطات الصينية، إلا أن المؤتمر العالمي الاويغوري يشير إلى آلاف القتلى. وعلى الرغم من العلاقات المميزة والجيدة بين الصين الشعبية ومختلف دول العالم الإسلامي إلا أن ذلك لم يمنع السلطات الصينية من استخدام "القوة" ووصف المظاهرة السلمية لسكان الإقليم بالعمل الإجرامي. وكان الأجدر على بكين استخدام لغة الحوار لتلبية مطالب سكان الإقليم! وإلى نيجيريا حيث أدت المواجهات الدامية في ولايات الشمال بين جماعة بوكو حرام والقوات النيجيرية إلى مقتل 600 شخص، حيث شوهدت جثث القتلى على قارعة الطريق، وقد وصفت جماعة بوكو حرام بالتشدد وتبني أفكار القاعدة والطالبان. وفي العراق استهدفت ست تفجيرات مساجد عقب خروج المصلين من صلاة الجمعة أودت بحياة 29 شخصا وجرح أكثر من 140 آخرين ليستمر مسلسل العنف والقتل ضد المسلمين أمام المساجد وعقب صلاة الجمعة التي يحتشد لها المصلون. وفي أفغانستان يبقى الجرح ينزف دما حيث يسقط يوميا القتلى والجرحى من المدنيين وقوات الشرطة والجيش ومن عناصر حركة طالبان، ليجد حلف الناتو نفسه في موقف حرج وصعب على الرغم من وسائله العسكرية الجد متطورة!! والأحداث التي هزت إاقليم شينجيانغ في الصين الشعبية إلى المواجهات الدموية في شمال نيجيريا إلى مظاهر القتل والتفجيرات اليومية في العراق وأفغانستان ناهيك عن مأساة الصومال، تعد كلها أدلة ووقائع أن المسلمين أصبح يتهددهم خطر الإبادة وأن هناك شبه إجماع دولي على استخدام كل أصناف القوة والتعذيب والتصفية حينما يتعلق الأمر باتباع الاسلام، ويأتي ذلك بعد النكسات الأليمة التي عاشها العالم الاسلامي جراء تداعيات هجمات 11 سبتمبر وكأن المخطط مازال في خطواته الأولى!! ويبقى الشيء المحير غياب منظمة المؤتمر الإسلامي عن الميدان وتقوقعها على بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تعيد للمسلمين عزتهم وحقوقهم المهدورة ولا تكف عنهم سياسة البطش، فما هو دور هذه المنظمة وخطر الإبادة الجماعية للمسلمين يتكرس يوميا في مختلف أنحاء العالم؟ ولقد آن الأوان أن تنتفض هذه المنظمة ومن ورائها دول وشعوب الإسلام وكل الهيئات الإسلامية التي تدافع عن الإسلام بفعالية وجدارة على كل المستويات الدولية الرسمية والشعبية وفي مختلف المجالات السياسية والإعلامية لشن حملة سياسية وإعلامية طويلة المدى ضد مخطط إبادة المسلمين ولإعطاء صورة إيجابية على أن أمة الإسلام أمة خير وحوار وبناء وتعاون وليست كما تصوره الدوائر الصهيونية أنها معادية للقيم الحضارية، ولنا أن نتساءل في الأخير ماذا لو كانت الشهيدة مروة الشربيني من جنسة إسرائيلية أو بريطانية أو أمريكية كيف سيكون رد الفعل؟؟ الأزهر محمد ماروك باحث جامعي