من أبرز الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام الأسبوع الفارط، تلك الدراسة الأمريكية التي أظهرت أن المجموعات المسلحة من اليمين المتطرف التي لم تتقبل حتى الآن انتخاب باراك أوباما، كأول رئيس اسود للولايات المتحدة، تشهد نهضة جديدة في هذا البلد بعد اعتقد الجميع أنها تراجعت بشكل كلي. وبحسب ذات الدراسة التي أعدتها جمعية "ساوذرن بوفرتي لو سنتر" فإن المجموعات الأميركية الصغيرة التي تعتنق أيديولوجيا عنصرية معادية للحكومة والمهاجرين والتي ازدهرت في تسعينات القرن الماضي وشنت عددا كبيرا من الهجمات الإرهابية الدامية، عادت إلى البروز. وقد صدر في السنوات الأخيرة كتاب حول هذه الظاهرة، بعنوان: "المسيحية الإنجيلية الفاشية" للمفكر والكاتب الأمريكي كريس هودجس. الكتاب يلقي الضوء على النشاط الذي تقوم به الجماعات المسيحية الكهنوتية البروتستانتية المتطرفة الفاشية في إيديولوجيتها وسلوكها السياسي. يقول الكاتب هودجس في مقدمة كتابه: "إن ما دفعه إلى تأليف هذا الكتاب هو الخطر الداهم الذي يشكله اليمين المسيحي المتطرف في الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوقت الراهن". وبالفعل يسعى هؤلاء المتطرفين في أمريكا لإقامة حكم كهنوتي (لاهوتي) متطرف ومتعصب، باستخدام الحزب الجمهوري لتحقيق هدفهم المنشود. وبرزت هذه الظاهرة، رغم أن المسيحيين الذين أسسوا الولاياتالمتحدةالأمريكية، تبنوا، في البداية، مبدأ فصل الكنيسة عن الدولة، ففي عام 1801 دعا الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون، إلى وضع فاصل بين الكنيسة والدولة، ودوّن ذلك في التعديل الأول لدستور الولاياتالمتحدة الذي أقر حرية المعتقد. وقدم الكاتب مقارنة بين المهمة التي يعتبرها هؤلاء المتطرفون "مقدسة" بالمهمة التي كان يسعى لتحقيقها النظام الفاشي بايطاليا والنازي بألمانيا، في منتصف القرن العشرين. ويتضح من خلال قراءة الكتاب أن نشاط هؤلاء المتطرفين اليمينيين، المتلبسين بالديانة المسيحية بهدف تحقيق أهدافهم، ليس وهماً أو مجرد مزحة غليظة، لدرجة أن الكثيرين من المراقبين السياسيين في واشنطن، يعتبرون بأن هؤلاء أصبحوا يسيطرون على السلطة في أمريكا. وسبق للصحفي الشهير بيل مويرس، أن كتب دراسة حول هذه الظاهرة من بين ما جاء فيها "أنه ولأول مرة في تاريخنا، تهيمن الإيديولوجية اللاهوتية على السلطة في واشنطن". وسميت هذه الجماعة "بالمافيا المسيحية المتطرفة". وجاء في الدراسة: "إنه لا ينقص هؤلاء لا الوسائل ولا التمويل اللازمان، فلديهم علاقات وثيقة وروابط مع كبار الرأسماليين الأكثر غنى في أمريكا، الذين لديهم وجهات نظر يمينية متطرفة، مثل جوزف كورس، وريتشارد دي فوس وغيرهم". وتلتقي هذه الجماعات وفق ما جاء في الكتاب "عند وجهات نظر سياسية مشتركة في ثلاث مجالات أساسية، أهمها اقتصادية (ربط اقتصاد الدولة بالعسكريتارية والدبلوماسية)، إضافة إلى المعايير الأخلاقية القائمة على التمييز العنصري والتمييز على أساس الجنس، وكذلك الوقوف إلى جانب رأسمالية حرية السوق الليبرالي". وفي السابق كان يجمعهم العداء للشيوعية ولجميع الحركات اليسارية التقدمية المناهضة للرأسمالية، كما يجري حاليا في أمريكا الجنوبية. ويشرح المؤلف في كتابه تاريخ حركة اليمين المسيحي، التي استطاعت أن تتحوّل إلى قوة كبرى الأكثر تأثيراً من بين التيارات اليمينية الأخرى. وفي كثير من الحالات استطاعت وضع معالم سياسات حكومات الجمهوريين بما في ذلك حكومة جورج بوش الابن. والنتيجة التي وصلت إليها الدراسة، "أنه حق لهؤلاء أن يؤمنوا بما يشاؤون، ولكن الدستور يمنعهم من فرض وجهات نظرهم على الآخرين. ولاسيما أن مجلس القضاء الأعلى، كان قد اتخذ، سابقاً، قراراً بفصل الكنيسة عن الدولة، ومنع أن يكون للدولة دين معين، ومنع الدولة من التدخل في المسائل الدينية. وإذا ما تبنى الكونغرس وجهات نظر هؤلاء المسيحيين المتطرفين الإسحاقيين (الصهاينة)، بوجود أكثرية ديمقراطية، ستتحول البلد، عمليًا، إلى تحت حكم اللاهوت. إن إقرار مثل هذا القانون يعني تحقيق اليمين المسيحي الصهيوني لأهدافه، محولاً أمريكا في الواقع، إلى تحت حكم وسيطرة فاشية اللاهوت"، يؤمن بفكرة خرافية تقول بأن الله أعطى الإنسان الحاكم الحق في السيطرة على الكرة الأرضية وفق إرادة إلهية مسيحية. إن الجزء الهام من هذه الإيديولوجية، ذلك المتعلق بتقديس العسكريتاريا والحرب واستخدام العنف. هذه المقولات التي تم الترويج لها بشكل واسع عشية العدوان الأمريكي على العراق، فالكثير من الواعظين، أكدوا أن الوقوف ضد هذه الحرب، هو عداء لأمريكا ويخالف تعليمات ومخططات الإله كما هو مكتوب في التوراة. ومن هنا يأتي كل العداء للرئيس أوباما الذين يرغب في الابتعاد عن العسكراتية الأمريكية ببدء الانسحاب من العراق.