قال عليه و آله الصلاة والسلام: "هذا رمضان قد جاءكم، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتسلسل فيه الشياطين" رمضان شهر الخيرات والبركات، والأنوار والنفحات الربانية.. فكيف ينبغي للمسلم أن يستقبل هذا الشهر؟ في هذا الشهر الفضيل ينبغي علينا العناية بالقلب، والحرص على تطهيره من آفاته وأمراضه من حقد وحسد وغل ورياء وكبر حتى يتسنى لنا استقبال الأنوار الربانية والنفحات الرحمانية بكفاءة عالية، ولا بد من تزكية الأنفس، وشهر رمضان فرصة عظيمة لتحقيق هذه الطهارة والتزكية القلبية والروحية. ولكن العجيب والمحزن في الأمر أن كثيرا من المسلمين اليوم في غفلة عن هذا الهدف السامي، وعن هذه الغاية المرجوة من الصيام، فتراهم منشغلين بتكديس الطعام والشراب في بيوتهم وكأنهم قادمون على سنة مجاعة أو قحط، أو أنهم ربما يظنون أن الصيام يعني الكسل وعدم القدرة على الحركة وشراء الحاجيات. وهذا الإقبال الشديد على شراء المواد الغذائية أدى إلى التهاب الأسعار، فبعض التجار يحسبون أن هذا موسم لتحقيق المكاسب والأرباح، وهو كذلك، ولكن في الأجر والثواب، وليس في امتصاص أموال الناس. مساكين هؤلاء، همهم شهواتهم ومصالحهم، مسكين من يلتصق بالأرض، همه الأكل والشرب والحظوظ الدنيوية، ويغفل عن الآخرة وعن اغتنام النفحات الربانية. يقول الإمام الغزالي: ومن آدابه (أي الصوم) أن لا يمتلئ من الطعام في الليل، ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في باقيه، وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهر، لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور، ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل، لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع، ويكون تاركاً للشهوة. هذه المظاهر التي تكثر في رمضان لأنه يجمع الناس في توقيت واحد، لا نجدها فقط في الجزائر، فهي منتشرة في كل البلدان العربية، وتنقل الصحافة يوميا لهفة الناس على كل ما تطلبه المائدة ويتسابق الجميع في اقتناء المواد المحلية والمستوردة، خاصة وأننا نعيش في زمن قد تعقدت فيه أساليب الحياة، فما عاد تحضير الطعام بتلك السهولة التي كان عليها زمن أسلافنا، ثم إنهم لم يكونوا يضيعون أوقاتهم في هذا الشهر الفضيل بالانشغال بتحضير الطعام وما يتعلق به، فقد كانوا يعيشون حياة البساطة، ولا يتكلفون في أكلهم وشربهم، وحتى لو اجتمعوا على الطعام فطعامهم سهل التحضير، ثم إنهم لم تكن لديهم هذه الأواني التي لدينا الآن حيث جعلنا من رمضان مناسبة لتجديد كل شيء وبأي ثمن، ثم يبقى ما نشتريه من أكل ليليق بالمائدة قبل المعدة. لا أستعيجب في الفوضى التي تعرفها الأسواق، لأن بالمقابل لا يوجد ما يملأ فراغ الصائمين وإن وجد فهو غير كاف. وأرى أنه لا يجب المبالغة في نقل هذه الصور حتى لا تنتقل العدوى لآخرين، ونجتهد في إظهار الصور التي تجعلنا في الإطار الصحيح لهذا الشهر العظيم.