فجر الصحفي السويدي دونالد كارل بوستروم سبقا إعلاميا عندما كشف للعالم فظاعة جرائم الجيش الإسرائيلي الذي قام طيلة سنوات بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين وبيعها في السوق الدولية بأثمان باهظة، وقد تعرض دونالد جراء هذا التحقيق إلى حملة مسعورة من إسرائيل واللوبي الإعلامي الصهيوني الذي اتهمه بمعاداة السامية، وهدد وعائلته بالقتل، مما اضطره إلى تغيير مكان إقامته أكثر من مرة، إلا أن وقوف نقابة الصحافيين السويديين إلى جانبه ودعم الحكومة السويدية له ومن خلفها الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى منظمة الصليب الدولي التي تربطه بها علاقة متينة أظهر بداية انهيار اللوبي الإعلامي الصهيوني وتحدي الصحافة الأوروبية لإسرائيل خاصة بعد المجازر الرهيبة التي ارتكبها اليهود في قطاع غزة، وصعود اليمين المتطرف في إسرائيل إلى السلطة وفقدان تل أبيب لدعم أمريكي قوي في عهد أوباما. جريدة المستقبل قابلت دونالد بوستروم خلال زيارته إلى الجزائر بدعوة من اتحادية الصحافيين الجزائريين وأجرت معه هذا الحوار: المستقبل: الصحفي دونالد كارل بوستروم لماذا اخترت مهنة المتاعب لتكون مصدر قوتك؟ بوستروم: اخترت الصحافة لثلاثة أسباب، أولها كي أتكلم، ثانيا كي أقول الحقيقة، ثالثا كي أصنع شيئا للمستقبل. متى بدأت مشوارك الصحفي؟ دخلت الصحافة في 1984، حيث كتبت حينها ثلاثة أو أربعة مقالات، وإحدى الجرائد السويدية أعجبت بهذه المقالات، فطلبوا مني أن أكون صحفيا معهم، وأول مقال كان يتحدث عن الأزمة في تشيكوسلوفاكيا وما كان يسمى "ربيع براغ" (بداية سقوط الاشتراكية)، أما المقال الثاني فيتحدث عن كيفية صناعة القيثارة حيث اتصلت بشخص مختص في صناعة القيثارة وسألته عن هذه المهنة. هل تخصصت في الصحافة المكتوبة أم أن لك تجارب في الصحافة السمعية البصرية؟ عملت في الكثير من الجرائد السويدية وعددها كبير، كما عملت عدة روبرتاجات مصورة في عدة قنوات تلفزيونية سويدية في العام نفسه الذي بدأت فيه الكتابة في الصحافة المكتوبة. ما هي حدود حرية الصحافة في السويد؟ أولا الصحافة في السويد كلها تابعة للقطاع الخاص والدولة لا تملك أي مؤسسة إعلامية ولا تمول وسائل الإعلام وإنما كلها مؤسسات خاصة، ولكن وظيفة الحكومة في هذا الشأن حماية حرية الصحافة، إلا أن هذه الحرية لديها حدود، ففي السويد هناك ثلاثة تيارات رئيسية: يمين، وسط، يسار، والكل يتكلم في حرية، والصحافيون السويديون عندما يكتبون مقالاتهم عليهم أن يراعوا هذه التوازنات، فالصحفي عندما يكتب يجب أن يضع عواطفه جانبا. ولكن كيف تفسر نشر صحف سويدية لصور مسيئة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام وتهجمها على العرب والمسلمين بشكل مستفز في الوقت الذي تجد نفسها محرجة في الكتابة عن الجرائم اليومية للجيش الإسرائيلي في حق الأبرياء؟ عندما نتحدث عن القضية الفلسطينية وإسرائيل فهناك فارق كبير في طريقة تناول كل منهما في الصحافة السويدية رغم أنه من المفروض أن توضعا في كفة واحدة، وتكتب الحقيقة كما هي، لكن عندنا هناك كفتان في التعامل مع مثل هذه القضايا، الكفة الأولى وتمثل العالم المسيحي الغربي أما الكفة الثانية فتمثل العالم العربي الإسلامي، لذلك فهناك ازدواجية في المعايير، فعندما تقتل إسرائيل وتفجر مساكن العرب وترتكب المجازر فإن الغرب لا يتكلم نهائيا أما عندما تكتب بشكل معادي ضد الدول العربية فإن كل الحدود مفتوحة أمامك، ولكن إذا تكلمت عن إسرائيل فلا بد أن تكتب بشكل محدود وضيق جدا. ولكن كيف لدولة تعتبر عريقة في الديمقراطية وحرية الصحافة والتعبير كالسويد أن تخشى كيانا صغيرا محدود السكان والرقعة الجغرافية المتواجد عليها؟ إسرائيل ليست دولة صغيرة، لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي التي تقف وراءها، إذن إسرائيل دولة عظمى، فالتهجم على إسرائيل في الصحافة يعتبر تهجما على أمريكا، والتهجم على أمريكا أمر مستحيل في الصحافة السويدية، وقد يأتي يوم وتصبح الصين الدولة العظمى الأولى في العالم حينها لن يستطيع أحد في العالم مهاجمة الصين. نحن كصحافيين جزائريين ننتقد في مقالاتنا إسرائيل وأمريكا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وحتى النظام في الجزائر دون أن نشعر بأي قيود حقيقية تمنعنا من الكتابة بحرية، فهل يعني أن هامش حرية الصحافة في الجزائر أعلى بكثير من الحرية التي لديكم في السويد أو في الدول الغربية؟ نحن نتحدث عن التقاليد الأوروبية وهذه التقاليد يحكمها قانون معاداة السامية وهذا القانون يعتبر سلاحا في يد إسرائيل تستخدمه ضد الأشخاص الذين يهاجمونها في الدول الأوروبية، فإسرائيل تمتلك قوة إعلامية كبيرة، وعندما ينتقد أي شخص إسرائيل فإنها تتعدى كل الحدود وتتجاوز كل القوانين وتعتدي من الممكن على كل البشر، وسلاح معاداة السامية مشهر في وجه الجميع وإعلامها قوي جدا ولا نستطيع تخطي هذا الحاجز، وعندما يتجرأ أي أوروبي في انتقاد إسرائيل فإن هذا اللوبي جاهز لمحاربة هذا الشخص. ما هو موقف نقابات الصحافيين السويديين من الحملة التي شنتها ضدك إسرائيل ومن ورائها اللوبي اليهودي؟ نقابة الصحفيين السويديين وقفت معي وتضامن معي زملائي الصحافيين، وهم لم يتحدثوا عن خلفيات معينة وإنما قالوا إن هذا المقال الذي كتبته عن سرقة الجيش الإسرائيلي لأعضاء الشهداء الفلسطينيين ليس معاديا للسامية وإنما كتب باحترافية وعلى إسرائيل أن تدافع عن نفسها. كيف كانت ردة فعل الرأي العام السويدي إزاء الموضوع الذي نشرته والتهديدات التي تعرضت لها؟ الحكومة السويدية كانت تقف معي لكن الشعب فلا يمكن القول أن لديه موقفا واحدا بشأن هذه القضية، بل إن قسما من الشعب السويدي لا يصدق حقيقة هذا التحقيق، ويعتقدون أنني لم أذهب إلى فلسطين ولم أر أي شيء وأن كل شيء في هذا التحقيق مفبرك ومصطنع، وهذا الرأي هو نتيجة الدعاية الإسرائيلية. ماذا عن الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي الذي ترأسه دورته الجارية السويد؟ إسرائيل طلبت من الاتحاد الأوروبي أن يحاكمني بتهمة معاداة السامية لكن الاتحاد الأوروبي رفض هذا الأمر. ما هي المصادر التي اعتمدت عليها في هذا التحقيق؟ هناك ثلاثة مصادر اعتمدت عليها في هذا التحقيق، أولها ممثلو الأممالمتحدة في فلسطين الذين تحدثوا عن تشريح الجيش الإسرائيلي لعدد من جثث الشهداء الفلسطينيين، فذهبت إلى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي لأعرف تفاصيل عن هذا الموضوع، كما اتصلت بالسلطة الفلسطينية لأسألها عن هذه القضية، كما قابلت ممثلي جمعيتين الأولى إسرائيلية وتسمى "بيت سالم" والثانية عربية وتسمى "الحق"، كما قابلت نحو عشرين عائلة فلسطينية اشتكت من تشريح الجيش الإسرائيلي لجثث شهدائها، ومن خلال هذه المعلومات التي جمعتها من مختلف الأطراف أنجزت هذا التحقيق الذي نشرته في كتاب "إن شاء الله". كتبت عن سرقة الجيش الإسرائيلي لأعضاء الشهداء الفلسطينيين في 1992 لكن الصحف السويدية رفضت نشره ولكنها بعد 17 سنة وافقت على نشره، ماذا تغير حتى تغير الصحف السويدية موقفها؟ في تلك الحين (1992) كان النفوذ الإسرائيلي على العالم أقوى والجهود الإسرائيلية أقوى، أما الآن فجاءت الفرصة متاحة وسمحوا لي بنشر الموضوع، وذلك لثلاثة عوامل مترابطة أولها أحداث غزة التي حصلت أخيرا والتغييرات التي حدثت مع الرئيس الأمريكي الجديد أوباما وصعود حكومة يمينية متطرفة، وهي عوامل ساعدت مجتمعة على سماح أكبر جريدة سويدية بنشر هذا التحقيق. هل عرضت نشر تحقيقك في 1992 على جميع الجرائد السويدية أم أنك اكتفيت بواحدة؟ أنجزت هذا التحقيق لصالح أكبر جريدة في السويد ولكنها رفضت نشره، ومادامت أكبر جريدة تخشى تبعاته فمن المنطق أن ترفض بقية الصحف الصغيرة نشره ولن تقبل نهائيا لذلك خبأت الموضوع تماما وفكرت في نشره في كتاب كي يعلم الناس الحقيقة، وقمت بتقسيم الكتاب الذي يحمل عنوان "إن شاء الله" إلى عدة محاور رئيسية من خلال تقطيع المشاكل الموجودة في فلسطين مثل القدس والصراع الديني، الانتفاضة وعن سرقة أعضاء الفلسطينيين، وقمت بطبع الكتاب بالسويدية خمس طبعات وكانت له مقروئية جيدة وتم تداوله بين الناس وصاحب المطبعة أحبّ الكتاب. كثير من الصحافيين العرب تحدثوا عن جرائم اليهود في فلسطين وربما كتبوا عن جرائم أفظع من تلك التي تحدثت عنها في كتابك وبلغة لاذعة لكن إسرائيل لم تثر عليهم مثلما ثارت عليك، لماذا؟ المشكلة في إسرائيل أنه في حرب غزة كل العالم تكلم عنها وليس في استطاعة إسرائيل محاربة العالم كله، ولكن المشكلة في مقالي أن جريدة واحدة وصحفيا واحدا، فهي ظنت أنه من السهولة بمكان أن تحارب الموضوع وتوقفه عن حده وتجعلني عبرة لمن يعتبر. ما هو تأثير هذا المقال وما انجر عنه من جدل إعلامي وسياسي على الرأي العام في السويد؟ وكأن الشعب السويدي كان في سفر عن القضية الفلسطينية فهو لا يعلم شيئا عن هذه القضية، فأول ما يعرفه أن الفلسطينيين عبارة عن مجموعات إرهابية لكن شيئا فشيئا تغيرت المعلومات والصورة النمطية عن الفلسطينيين وتحسن الوضع. لفت انتباهنا إلى أنك وبالرغم من تخصصك في القضايا السياسية إلا أن لديك كتابا حول الطبخ، فما قصتك مع هذه المهنة "النسائية" التي يتفوق فيها الرجال؟ خلال إقامتي في فلسطين وفي العديد من الدول العربية تعلمت عدة أكلات فلسطينية وعربية مثل المتبل، التبولة، فلافل، مقلوبة الباضنجان، الكبة، وقد أنجزت أربعة كتب عن الطبخ واحد منها عن الطبخ العربي والبقية عن الطبخ الأوروبي بشكل عام، ولدي كتاب عن الطبخ السويدي صدر مؤخرا سيشارك هذه الأيام في معرض بستوكهولم.