تمر الذكرى ال42 على اغتيال الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي تناول في كتاباته معاناة الشعب الفلسطيني في أكثر تجلياتها تعبيراً، وهو يمثل نموذجاً خاصاً للكاتب السياسي والروائي والقاص والناقد. ولد غسان كنفاني في عكا في ,1936 وعاش طفولته في يافا التي اضطر للنزوح عنها كما نزح الآلاف بعد نكبة ,1948 وإثر مجزرة دير ياسين التي وقعت في عيد ميلاده الثاني عشر، والتي جعلته ينقطع عن الاحتفال ب ''عيده'' منذ ذلك التاريخ. عاش لفترة قصيرة في جنوب لبنان ثم انتقل مع عائلته إلى دمشق حيث عمل منذ شبابه المبكر في النضال الوطني، وبدأ حياته العملية معلماً للتربية الفنية في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا). انتقل إلى الكويت العام 1956 حيث عمل مدرساً للرسم والرياضة في مدارسها الرسمية. وفي هذه الأثناء عمل في الصحافة وظهرت بدايات إنتاجه الأدبي. أقام في بيروت منذ ,1960 وعمل محرراً أدبياً لجريدة ''الحرية'' الأسبوعية، ثم أصبح العام 1963 رئيسا لتحرير جريدة ''المحرر'' كما عمل في ''الأنوار'' و''الحوادث'' حتى العام 1969 ليؤسس بعد ذلك صحيفة ''الهدف'' التي بقي رئيساً لتحريرها حتى يوم استشهاده في 8 جويلية 1972 بعد انفجار لغم في سيارته حيث قتل ومعه ابنة شقيقته ''لميس نجم'' وعمرها 17 عاماً. إنتاج غسان الأدبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به. فرواية ''عائد إلى حيفا'' مثلا وصف فيها رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا وقد وعي ذلك وكان ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية. كما أن ''أرض البرتقال الحزين'' تحكي قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية. وروايته ''موت سرير رقم ''12 استوحاها من مكوثه بالمستشفى بسبب المرض. وكانت "رجال في الشمس'' مرآة عاكسة لحياته ولحياة الفلسطينيين بالكويت. وإثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هي تلك الصورة الظاهرية للأحداث، أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق. في قصته ''ما تبقى لكم'' التي تعتبر مكملة ''لرجال في الشمس'' يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيرا بالعمل الفدائي. قصص ''أم سعد'' وقصصه الأخرى كانت كلها مستوحاة من أشخاص حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعدّ قصة ودراسة عن ثورة فلسطين 1936 فأخذ يجتمع إلى سكان المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه ''عن الرجال والبنادق''. لقد مات غسان لكن القضية الفلسطينية لم تمت.