في العام الماضي وبمناسبة الصالون الدولي للكتاب تعرفت على بعض الناشرين المغاربة وأهديت بعضهم روايتي التي تحمل عنوان ''الوصب المخيف''، وفي صيف هذه السنة اتصل بي احدهم وطلب مني ان أسمح له بطباعتها في المغرب، ونظرا لكون الرواية طبعت في الأردن فإن التفاهم في الموضوع يتطلب وجودي هناك. وبسرعة فائقة قمت بجميع الإجراءات التي تتطلبها الرحلة الى المغرب، وفي صباح يوم الأحد 25 جويلية اتجهت نحو المطار، كان يوم، غير عادي حيث مباشرة بعد دخولي المطار شهدت أمرا غريبا، وهو أن مجموعة كبيرة من المسافرين يخرجون من المطار بسرعة، فاقتربت من أحد رجال الشرطة طالبا استفسارا في الموضوع فقال هناك شيء مريب لذلك عليك بالخرو ج بسرعة. وبعد دقائق طلبوامنا العودة من جديد، ويقالوا ان سبب ما جرى يعود الى إعلان كاذب بوجود قنبلة، المهم كل شيء عاد الى طبيعته بفضل يقظة شرطة المطار، خلال استراحة قصيرة في مقهى وسط المطار كنت أدون فيها بعض الملاحظات، وارتشف فنجان قهوة؛ في هذه اللحظات لمحت من بعيد صديقا يمشي الهوينة، وعندما اقترب مني بادرني بالكلام قائلا: اكيد.. اتجاهك باريس، قلت له: أعوذ بالله انا متوجه الى المغرب. ابتسم وقال: سمعت احدا يقول إن الطائرة المتوجهة نحو المغرب ستتأخر ساعة كاملة. قلت في نفسي أعوذ بالله من هذه الرحلة، ولم أرتح الا بعد اقلاع الطائرة من مطار هواري بومدين متجهة نحو الدارالبيضاء بالمغرب، كنت أظن أن رحلتي ستكون طويلة، لكنني تفاجئت انه بعد ربط حزام الأمان والغداء قالت مظيفة الطائرة، نشرع الآن في النزول في مطار الدارالبيضاء، ارجو ان تبقى احزمتكم مربوطة الى ان تتوقف الطائرة. بعد فحص جواز السفر من طرف الشرطة وإجراءات الخروج قمت بعملية الصرف واتجهت نحو محطة القطار الموجودة تحت اسفل المطار.. بعد أربعين دقيقة وصلنا مدينة الدارالبيضاء، مباشرة اتصلت بصاحب دار النشر فأخبرني انه هناك بالقرب من باب مراكش يوجد فندق اسمه فندق دولوفر، وهو فندق متوسط لكن اهميته كبيرة بالنسبة اليك، لا تنس ان تختار الطاكسي الصغيرة. اتجهت نحو مكان الطاكسيات الصغيرة وسرنا نحو فندق دولوفر، في الطريق سألت سائق الطاكسي عن الفرق بين الطاكسي الصغيرة والكبيرة فقال: في الطاكسي الصغيرة لا تدفع الا القليل، ثم سألته عن فندق دولوفر فقال: ارتبط اسم هذا الفندق بذكريات كثيرة لعدد كبيرمن المثقفين وعلى رأسهم شاعر الثورة الجزائرية العظيمة مفدي زكرياء رحمه الله. وصلنا الفندق فدفعت له أكثر مما يستحق بسبب معلوماته القيمة، مباشرة بعد دخول الفندق قلت للعامل هل الغرفة رقم 103 شاغرة، فقال: لا للأسف سأعطيك الغرفة رقم أربعة، وبعد أيام ربما الغرفة رقم مئة وثلاثة.. ونحن في هذا الحديث دخل صاحب الفندق وقال: هل هناك مشكل، قال له العامل: لا يا سيدي، فقط هذا الزبون يريد الغرفة رقم ,103 فقال لي صاحب الفندق: أكيد أنك جزائري وتعرف قصة هذه الغرفة، فقلت له: عرفت قصتها من خلال سائق الطاكسي، فقال للعامل: هل الغرفة رقم أربعة شاغرة، فقال: نعم سيدي، فقال لي صاحب الفندق: أنا من أصل جزائري وأحب كثيرا الجزائريين وخاصة منهم الكتّاب لهذا سأخفض لك ثمن الغرفة من 200 درهم الى 150 درهم في اليوم الواحد، فقلت له: شكرا جزيلا على احساسك نحو بلدي، وأرجو من سيادتكم المحترمة تزويدي ببعض المعلومات عن هذا الفندق، فقال: هذا الفندق مؤسسة بنيت سنة 1936 وذلك قبل الحرب العالمية الثانية التي كان سكان أوروبا ينزحون الى افريقيا الشمالية، لقد كان هذا الفندق معملة تاريخية بحيث أنه يحمل اسم أعظم المتاحف العالمية بباريس، كما كان يستقطب بعض الشخصيات العالمية كمفدي زكريا الذي أنشد النشيد الوطني الجزائري، لقد تم تصميمه فندقا على الطراز المغربي. بعد استراحة قليلة في الغرفة، خرجت في نزهة للتعرف على الاماكن القريبة من الفندق حتى لا أتيه في شوارع المدينة في اليوم الموالي، كان لا بد أن أنهض باكرا حتى أصل في الوقت المحدد مع صاحب دار النشر، بعد التحية والسلام مع عامل الفندق قال لي: لقد انتهيت من قراءة الرواية، قلت له: في يوم واحد، قال: لقد اعجبتني كثيرا لهذا صممت على قراءتها في الليل، شكرته على ذلك فرد علي بالقول: أنت تبحث عن فطور الصباح، تعال معي وخرجنا من الفندق الى الشارع وقال مباشرة في هذا الاتجاه ستجد مقهى تسمى مقهى باريس، انها المقهى المفضلة للمرحوم مفدي زكرياء وفيه اكن يتناول فطوره كل صباح، وعاد من جديد الى الفندق وأخذ ورقة وقلما وشرح لي بالتفصيل مكان جلوس مفدي زكرياء لتناول فطوره، مبينا ذلك برسم كأنه زاوية منفرجة، في رأس هذه الزاوية كان يجلس مفدي زكرياء. توجهت بسرعة نحو المقهى وجلست في المكان الذي وصفه لي العامل، جاء القهواجي ومسح الطاولة وقال: صباح الخير. قلت له'' صباح الانوار، هل كان مفدي زكرياء يتناول فطور الصباح في هذه الطاولة، ابتسم وقال: هذا صحيح، انا طالب جامعي وأعمل هنا في هذا المقهى، وأعرف ذلك جيدا. فقلت له: اذن فطوري سيكون مثل فطور مفدي زكرياء، فقال: انتظر قليلا، وما هي الا دقائق حتى جاء وبدأ يضع الفطور فوق الطاولة، وقال هذه الخبزة الدائرية الصغيرة تحتوى على بيضة مسلوخة وقليلا من الجبن، وهذا حليب، وهذا كأس من عصير البرتقال، وهذا براد شاي.. وبعد الانتهاء من تناول الفطور يقرأ الجرائد اليومية، وبعد ذلك يمسح له احد الشباب حذاءه ثم يغادر المكان، وما لفت انتباهي في هذا الصدد أن اغلبية المغاربة يمسحون احذيتهم، وهناك الملايين من الشباب المغاربة يمارسون هذه الحرفة المحترمة، ثم يغادر المكان في اتجاه باب مراكش المشهورة بدكاكينها وبيع الاقمشة والمطرزات والعطور ولوازم الخياطة النسائية والمؤكولات الشعبية.. دفعت له الحساب مع بقشيش وتوجهت نحو حي الحبوس العتيق الذي يشبه نوعا ما القصبة الجزائرية بشوارعها الضيقة ومحلاتها التجارية المزينة. وصلت في الموعد المحدد والتقيت بصاحب دار النشر. تحدثنا قليلا عن المشاكل التي يعانيها الناشرون المغاربة، ومشاكل ضعف المقروئية في البلدان المغاربية وسبل تطوير تبادل الخبرات في هذا الميدان.. بعدها تحدثنا عن امكانية طبع روايتي في المغرب. في الاخير قال لي: انت تعرف أنه يجب أن نقرأ الرواية اولا ثم اخبرك عن طريق الهاتف بالنتيجة . وما لفت انتباهي هنا ان اغلبية دور النشر في الدارالبيضاء موجودة في هذا المكان.. بعد جولة في أسواق الحبوس عدت من جديد الى الفندق. من الصعب جدا حصر وتعداد جميع الأماكن والمعالم الهامة التي زرتهما في هذه العوجلة، ولكني أقول إن الدارالبيضاء مدينة عصرية ولا تختلف كثيرا عن المدن الأوروبية.. بعد أسبوع من الانتظار لم أفلح في الحصول على غرفة 103 ولو ليوم واحد. لذلك غادرت المكان في اتجاه مراكش ،وبالظبط الى جامع لفنا، ورغم الحرارة الشديدة الا أن السياح الاجانب يتجولون بلباسهم القصير غير مبالين بدرجة الحرارة، ويقال انها مفيدة لجسم الانسان. بعد خمسة أيام في مراكش، عدت من جديد الى الدارالبيضاء، وأنا في القطار تعرفت على أحد العاملين في وزارة الثقافة المغربية فتحدثنا كثيرا عن الهموم الثقافية المغاربية، وختمنا حديثنا بالرياضة حيث قال إن المغاربة متخوفون كثيرا من المقابلة التي ستجري بين المغرب والجزائر، فقلت له لا يمكن أن يحدث ذلك بسبب العلاقات التاريخية المتينة بين البلدين. قضيت ليلة في فندق بالقرب من المطار، وفي الصباح الباكر توجهت الى المطار ومنه الى العاصمة الجزائرية مصمما على العودة الى المغرب وحجز الغرفة 103 مسبقا. والمفارقة العجيبة ان اول مكالمة هاتفية وصلتني بعد وصولي الى الجزائر هي من أحد الزملاء الأعضاء في مؤسسة مفدي زكريا الذي يرأسها الدكتور سليمان الشيخ.