من بين المسلسلات العربية التي تستحق المتابعة خلال شهر رمضان لهذا العام، مسلسل "سقوط الخلافة''، للمخرج العراقي محمد عزيزية، الذي يعرض اللحظات الأخيرة من حياة الإمبراطورية العثمانية من خلال التركيز على حياة وسيرة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وهو السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، بدءا من هزيمة الجيش التركي أمام الجيش الروسي، وهي الهزيمة التي عجلت بانهيار الإمبراطورية. وعلى مدى زمني يقدر بعشر سنوات يتوقف المسلسل عند السنوات الأخيرة من حياة الإمبراطورية الإسلامية. وبالفعل فإن العالم العربي بحاجة إلى هذه الأعمال التاريخية التي تناقش اللحظات المصيرية في حياة الأمة. ووجدت أنه من الذكاء لما صرح محمد عزيزية في ندوة صحفية قبيل رمضان وقال '' للأسف، لا يقرأ، بل يسمع ويشاهد''. بالتالي فهي فرصة للوقوف عند لحظات تشكيل الوعي العربي، خاصة أن المسلسل يقف مطولا عند رفض السلطان عبد الحميد لمخطط تهجير اليهود إلى فلسطين، ومحاولات القوى الاستعمارية بدء سيناريو استقطاع هذا الجزء من العالم العربي. ومن المتعارف عليه تاريخيا أن زعيم الصهاينة ثيودور هرتزل أرسل رسالة إلى السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1901 يعرض عليه قرضاً من اليهود يبلغ عشرين مليون جنيه إسترليني، مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يقيمون عليها حكماً ذاتياً. وفيما يلي نص الرسالة: "ترغب جماعتنا في عرض قرض متدرج من عشرين مليون جنيه إسترليني يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود المستعمرون في فلسطين إلى جلالته، تبلغ هذه الضريبة التي تضمنها جماعتنا مائة ألف جنية إسترليني في السنة الأولى وتزداد إلى مليون جنيه إسترليني سنوياً. ويتعلق هذا النمو التدريجي في الضريبة بهجرة اليهود التدريجية إلى فلسطين. أما سير العمل فيتم وضعه في اجتماعات شخصية تعقد في القسطنطينية. مقابل ذلك يهب جلالته الامتيازات التالية: الهجرة اليهودية إلى فلسطين، التي لا نريدها غير محدودة فقط، بل تشجعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة. وتعطي المهاجرين اليهود الاستقلال الذاتي، المضمون في القانون الدولي، في الدستور والحكومة وإدارة العدل في الأرض التي تقرر لهم. (دولة شبه مستقلة في فلسطين). لكن السلطان عبد الحميد رفض مطالب هرتزل. ومما ورد عنه في ذلك قوله :''إذ أن الإمبراطورية التركية ليست ملكا لي وإنما هي ملك للشعب التركي فليس والحال كذلك أن أهب أي جزء فيها ...فليحتفظ اليهود ببلايينهم في جيوبهم ... فإذا قسمت الإمبراطورية يوما ما فقد يحصلون على فلسطين دون مقابل. ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا.'' راح هرتزل يدبر المكائد، وظل متمسكا بأمله في تحقيق وطن قومي لليهود، وقال قولته المشهورة '' لن يدخل اليهود الأرض الموعودة طالما أن السلطان عبد الحميد قائمًا في الحكم مستمرا فيه''. وبالفعل عمل المستحيل لإبعاده من الحكم. وبدا اليهود بتشويه صورة عبد الحميد الثاني أثناء حكمه، فتغلغل بعضهم في جمعية الاتحاد والترقي التي أسقطت السلطان. وفي رسالة وجهها السلطان عبد الحميد إلى صديقه في دمشق الشيخ محمود أبو الشامات في عام 1911 نشرتها مجلة العربي الكويتية في عددها الصادر سنة ,1972 قال السلطان عن سبب خلعه: ''إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا وأصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة ''فلسطين '' ولم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف.. وأجبتهم بهذا الجواب القطعي الآتي: ''إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهباً فضلاً عن 150مليون ليرة إنجليزية ذهباً.. فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي.. لقد خدمت الملة الإسلامية، والأمة المحمدية ما يزيد عن ثلاثين سنة.. فلم أسوِّد صحائفَ المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين العثمانيين، لهذا لن أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضاً''. لكن اليهود تمكنوا من خلع السلطان ونفيه إلى سلانيك، وكان مما قاله السلطان في هذا، قبل وفاته سنة 1918: ''إنني أحمد الله أنني لم أقبل بأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة فلسطين''.