لا شك أن قطاع غزة يعج بالكثافة السكانية التي وصلت نسبتها إلى مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في غزة رغم الصعاب التي يتلقونها ولكن وسط هذه الكثافة من الناس يعيش إلى جانبهم وبينهم إخوة لهم جزائريون تقاسموا معهم الحلو والمر في أحنك الظروف وفي كل الأشهر رجب أو شوال أ وشعبان كما تقاسموها في شهر رمضان. وهذه هي قصة عائلة نبيلة الجزائرية التي يعولها طارق، نبيلة الأم التي تبلغ من العمر ثلاثين عاما من سكان بلدية الحراش بالجزائر العاصمة وقد تزوجت ولم يتعد عمرها ثمانية عشر عاما وتعيش مع زوجها بمنطقة تل الهوا في مدينة غزة، وهي تقضي شهر رمضان في القطاع منذ اثنتي عشر عاما ولم تقضه مع أهلها منذ 5991 وهي بعيدة عن حنان الوالدين خاصة الأم التي تفتقدها نبيلة باعتبارها هي نقطة ضعفها في هذا الشهر الكريم، كما قالت لنا عندما التقيناها في منزلها لأنها تتمنى اليوم الذي تقضي فيه شهر رمضان مع أهلها في الجزائر ولكن الأسباب تعددت والنتيجة واحدة ، فخلال الاثني عشر عاما لم تزر أهلها سوى مرتين فقط لان إجراءات السفر معقدة هنا سواء الذهاب أو العودة إلى القطاع نتيجة إجراءات إسرائيل التعسفية في الأوراق الثبوتية لها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الحصار المضروب على أهل القطاع وإغلاق المعابر البرية وما يعانيه المسافر الغزي من جرائه ------------------------------------------------------------------------ ذكريات الحرب إنها رحلة الصبر التي تتقاسمها نبيلة مع زوجها طارق إضافة إلى أولادهما الأربعة الذين عاشوا حرب إسرائيل الأخيرة على غزة بتفاصيلها، خاصة بعد أن هدم منزلهم ومن ثم قاموا بترميمه مرة أخرى رغم الدمار والحصار المفروض على القطاع، وهي تتحدث إلينينا شعرنا بذكريات تكاد لا تفارقها بتلك الأيام العصيبة التي مرت بها، وفي لحظات قليلة تغير لون وجهها لا ندري هل هو الخوف من القادم أم الذكريات الأليمة التي استطاعت أن تسكن في قلبها ولكن حديثها كان منبعه التحدي الذي عاشته حتى تعطي درسا من دروس الصمود ضد المحتل الذي يحاول أن يكره أصحاب الأرض في أرضهم ويشكك أصحاب الحق في حقهم، لتبتعد فكرة الرحيل عن أرض القطاع من ذاكرة الزوج طارق والزوجة نبيلة. فهي تشتم رائحة البارود في أرجاء المكان، وتحن إلى أصولها الجزائرية التي لم يبق لها منها بعد العدوان الأخير على قطاع غزة والحصار المفروض منذ أربع سنوات إلا لهجتها التي تمسكت بها لمدة قاربت اثنتي عشر عاما وبعض ما تعلموه علي أيدي الأجداد من مأكولات جزائرية يصنعونها في الشهر الكريم تذكرهم بالوطن الجزائر. ------------------------------------------------------------------------ هكذا يقضون رمضان هذا الصمود قد اتضح أكثر عندما أدركنا من زيارتنا لهذه العائلة وخلال حديثنا معها أن تقاسم الحياة في رمضان ليس مثلها في كل الأشهر، لان المعاناة تتضاعف أكثر من أي وقت مضى. ففي الليل تقطع الكهرباء وفي النهار أيضا حيث تشتد درجة الحرارة في أخر أيام الصيف لتصل ساعات انقطاعها أكثر من ست عشرة ساعة في اليوم الواحد فكم بقي من الوقت حتى تنعم بالكهرباء. هذه المعاناة كانت محطة أنظار الجميع في الصمود على هذا القهر الذي انتاب نبيلة وزوجها كباقي أبناء الشعب الفلسطيني وذلك نتيجة انقطاع التيار الكهربائي تماما في ساعة الإفطار وساعات السحور وكأنها تتكلم لنا عن عصور حجرية مضت لا يوجد فيها كهرباء ولا حتى الماء الذي افتقدوه أيضا مع فقدان الكهرباء ولكن ما هي إلا حقيقة يعيشها كافة الفلسطينيين. نبيلة راحت تحكي لنا يومياتها أكثر فأكثر وهي في طريقها إلى أسواق غزة لكي تشتري بعض الخضراوات قائلة إنها تعشق أسواق تلك المدينة لشعورها ببهجة خاصة والناس يعدون أنفسهم لشراء ما تيسر لهم من بعض الأطعمة، معتبرة أن السوق من أجمل الأماكن التي أعشقها بالقطاع لبساطة الناس وهم يتجولون فيه، ولكن سرعان ما تصطدم بالواقع الفلسطيني والحصار المفروض عليه من قبل الاحتلال، فهي تقول إنها تجد الفلسطينيين يبحثون عن ارخص الأثمان حتى يتمكنوا من شراء ما ينقصهم على المائدة الرمضانية، وفي الوقت نفسه تجد أناسا آخرين لا يستطيعون شراء اقل ما يحتاجه الصائم في هذا الشهر نتيجة الظروف الحياتية التي يعيشها أهل هذه المدينةالفلسطينية المليئة بالأحزان، فتعود إلى منزلها المنقطعة عنه الكهرباء من جديد وتذهب بهجة رمضان عندها وما بيدها أي حيلة إلا أن تعيش الواقع الفلسطيني بحذافيره ------------------------------------------------------------------------ حلويات فلسطينية وجزائرية للأطفال لنسيان مرارة الحصار وفي خضم هذه الحياة لم تنس نبيلة الزلابية الجزائرية وقلب اللوز، وفي فلسطين لن تنسى الكنافة النابلسية والعربية وعصير الخروب الذي يتهافت عليه الفلسطينيون قبل موعد الإفطار أما الأبناء فكانت الأكبر هي ندى ويليها عبد الفتاح وأمير وأختهم حنين كانوا جميعا برفقتنا ونحن في صدد سماع معاناة الأبوين معا، ولكن أنظارنا لم تبتعد عن سلوك أطفالهما الأربعة الذين شعرنا بهم وهم يترقبون أجوبة الأب وألام على أسئلتنا ولكنهم جميعا بقوا يترقبون وحاولنا سؤال الأكبر ندى فقالت أنني سعيدة هنا بغزة رغم آلامها وشعرت وكأنني أتكلم مع الأم وليس الابنة لعبارات الصمود التي كثرت على لسانها في قطاع غزة ينتهي عمر الإنسان قبل أن يبدأ بتحقيق أي شيء من أحلامه، لأنه مسير بحكم التقلبات السياسية وليس مخيرا، أما خارج القطاع فإن العالم يحتاج إلى وقت للسكون، فما وصلوا إليه يتعدى ما كتبوه على أجندتهم الحياتية وفاق أحلام الكثيرين منهم، كما أن جدول ضرب الفلسطينيين لم يتعلمه أحد في المدارس لانه لا يعلمه إلا الله تعالى ومن بعده الاحتلال.