قال فهد ابو الحاج مدير عام مركز ابو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس في تصريحات صحفية ان الوقت قد حان للاستماع الى أنات ونداءات الاسرى والإحساس بمعاناتهم ومعاناة أبناء عائلاتهم وإبقاء هذا الملف مفتوحا امام كل المحافل الدولية وتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وأسراه . واطلق ابو الحاج نداء باسم المركز للوقوف الى جانب الاسرى بعد الهجمة الشرسة لإدارة السجون ضد الاسرى تواصل القدس بالتعاون مع مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس نشر تجارب الحركة الأسيرة الفلسطينية النضالية داخل وخارج المعتقلات الإسرائيلية وذلك لتوثيق هذه الملاحم البطولية للأجيال القادمة . السيرة والمسيرة للأسير المحرر ماهر البسيوني ماهر إسماعيل محمود البسيوني مواليد التاسع من نيسان عام 1977 في مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، وقد مر بتجربة نضالية واعتقالية دامت ستة عشر عاما أمضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وروى تجربته لمركز أبو جهاد . شاركت مثل شباب فلسطين في فعاليات الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" التي قادها الشهيد القائد أبو عمار للدفاع عن شعبنا الذي يتعرض للعدوان الصهيوني. كنت أعمل في قوات الأمن الوطني ، وخلال العام 2001 أصبحت مطلوباً لجيش الاحتلال بتهمة الانتماء لكتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح. وصرت حذراً في تنقلاتي خاصة وأن المطلوب والمطارد مُعرض لأخطار الاغتيال والشهادة أو الإصابة والاعتقال. وبتاريخ التاسع والعشرين من شهر أكتوبر من العام 2002 وعند ساعات المساء وصلت لبيتنا في بيت حانون ، وبعد لحظات جاءت قوة إسرائيلية خاصة قرب البيت، خرجت إلى الجهة الشرقية للمغادرة أو التصدي لهم ، وبعد لحظات بسيطة جاءت الطائرات والدبابات والمجنزرات الإسرائيلية وطوقت المكان واعتلى جنود القناصة أسطح منازل الجيران. بدءوا يطلقون النار بكثافة تجاهي فأُصبت بعدة رصاصات في الفخذ والقدم ، سقطت على الأرض، صرت أزحف حتى عدت داخل بيتنا، اقتحم الجنود منزلنا من الأبواب ومن السطح بواسطة عملية إنزال من الطائرات. وقف لهم والدي وكان يصرخ عليهم، إلا أنهم قاموا بدفعه وأخذوه مع والدتي وجميع إخوتي الصغار ووضعوهم في غرفة وأغلقوا الباب عليهم. التف حولي الجنود وقيدوا يدي وأنا ملقى على الأرض أنزف نتيجة الإصابة ، منذ الساعة الثانية ليلاً وحتى الخامسة فجراً، وأنا مُلقي على الأرض في بيتنا يزداد النزيف، وأخيراً قاموا بربط قدمي بشاش حتى يقف النزيف ، ثم احضروا حمالة ونقلوني إلى الموقع العسكري الإسرائيلي شرق بيت حانون . جاء ضابط عسكري إسرائيلي ، كنت افهم بعض الكلمات العبرية ، فسأل الضابط الجنود بما معناه : هذا هو المطلوب؟ فقال الجنود: نعم ، فنظر إليّ وقام بكل عنصرية بضربي بالبسطار على قدمي فوق وبجانب الإصابة، لكمني على صدري وصار يصرخ ضدي بألفاظ بذيئة تُعبّر عن حقده ووقاحته وعنصريته ، كنت انظر له بكل قوة وإرادة وتحدي رغم إصابتي والألم الذي أشعر به. نقلوني إلى مستشفى برزلاي الإسرائيلي ، وصلت هناك وكانت الشمس ظاهرة ، صرت اشعر بالدوار من النزيف ، ألم الرصاص يمزق قدمي ، في مدخل السجن جاء ضابط عسكري إسرائيلي يتحدث العربية فقال لي : "الأطباء سوف يعملون لك عملية جراحية ، والعملية لن تنجح وسيقطعون رجلك، وأضاف:« وقّع موافقتك على إجراء العملية الجراحية، أتذكر مسكت القلم ولم أقدر تكملة التوقيع لأنني كنت أشعر بإغماء ودوار نتيجة الألم. استيقظت من العملية وجدت نفسي على سرير مُقيّد يدي الاثنتين وقدمي السليمة بكلبشات حديدية على السرير، وجدت قدمي المصابة غير مقطوعة لكن مُثبت عليها حديد وجبس، وكان هناك 3 جنود بجانبي. بقيت بهذا الشكل مدة 12 يوماً في مستشفى برزلاي ، خضعت هناك للتحقيق أيضاً، كان الجنود يضغطون على قدمي، يمسكون الحديد، يقومون بالضغط النفسي ، هددوا باعتقال والدي ووالدتي وإخوتي، وبعد فترة قالوا أنهم اعتقلوهم فعلاً. بعد مكوثي 12 يوماً في مستشفى برزلاي تم نقلي إلى مستشفى سجن الرملة ، هناك خضعت لفترة تحقيق جديدة مدتها 30 يوماً متواصلة ، يأتي الضابط يضغط على الإصابة ، يزيد الألم ، يُحاول استفزازي ، كنت أُعاني الأمرين حيث معزول لوحدي ، حركتي مشلولة، لا أتحرك بسبب الإصابة ، ملقى على السرير ، لا استطيع قضاء حاجتي، لم أجد مساعدة من حراس السجن، بل بالعكس يحاولون إرهابي والاعتداء عليّ ، لا يحضرون لي الطعام الصحي الذي يتناسب مع مرضي، تعرضت للإهمال الطبي ، فلم يحضر الأطباء للكشف الطبي، بالرغم من أنني خارج من عملية جراحية ، قدّمت لهم شكوى بازدياد الألم وحدوث التهابات في قدمي، لكن لم يعملوا أي شيء ، بالرغم من هذا الظرف الصعب كنت أُحاول الصبر والصمود ، أتوكل على الله عز وجل دوماً ، فكان الله خير حافظاً يُلهمني ويعطيني القوة كي أُحاول البقاء. بعد 30 يوما أخرجوني من العزل إلى قسم الأسرى ، هناك فرحت كثيراً ، وجدت شباباً ممكن يساعدوني في محنتي، كان السجن به أسرى مرضى ومصابين، شاهدت أجمل صور التعاون، الأسرى بالرغم من مرضهم فإنهم يساعدون بعضهم البعض، على سبيل المثال أنا كنت من الأسرى المصابين في العظام ولا نستطيع المشي ، فنجد أن الأسرى المرضى بأمراض أُخرى يهبون لمساعدتنا. بقيت في سجن مستشفى الرملة مدة 5 شهور خضعت لعدة محاكمات بتمديد الاعتقال ، ثم صدر قرار بترحيلي إلى سجن عسقلان ، بالرغم من أنني لا زلت أمشي بواسطة العكاكيز ولا يزال الحديد في قدمي. لقد علمت أن نقلي من الرملة إلى عسقلان هي سابقة لم تحدث منذ عشر سنوات سابقة، فالاحتلال لايسمح بنقل أسير قدمه بها حديد، لا يسمح ليس خوفاً على السجين وإنما خوفاً على السجان ، هم يخافون أن يُستخدم الحديد في الاعتداء على حراس السجن. تم نقلي بقرار من إدارة سجن الرملة إلى سجن عسقلان حيث مكثت فيه مدة عام كامل، ثم تم نقلي إلى عزل بئر السبع ومكثت فيه سنة كاملة أيضا ، أُعاني من الإصابة وأمشي بواسطة العكاكيز ، لقد رافقتني العكاكيز مدة 10 سنوات كاملة ، منذ العام 2002 حتى العام 2012، كانت إصابتي صعبة، فحسب التقارير الطبية الإسرائيلية يوجد عندي عجز طبي في قدمي بنسبة 83 %.تنقلت في عدة سجون منها الرملة وعسقلان وعزل السبع، والسبع أيشل ونفحة وريمون والسبع اوهيلكدار، ورجعت لنفحة وريمون ، وكان آخر سجن قبل التحرر هو نفحة. تعرضت للعديد من جلسات المحاكمة ، وآخر جلسة كانت في العام 2003 حيث حكمت المحكمة الإسرائيلية عليّ بالسجن مدة 21 سنة 16 فعلي و5 عدم تنفيذ. التعليم لقد اعتقلت وأنا كنت حاصل على شهادة بكالوريوس حاسوب من جامعة القدس المفتوحة. في السجن يُنظر إلى الأسير الحاصل على شهادة جامعية أنه إنسان متعلم مثقف واعي ، لديه إجابات علمية وثقافية، ومن هذا المنطلق قررت بدافع ذاتي أن أقرأ واتثقف وأزيد على ما درسته بالجامعة معلومات وثقافة في مختلف أصناف المعرفة وعدم الاقتصار على تخصصي فقط ، وذلك حتى إذا تعرضت إلى أسئلة ثقافية في غير تخصصي استطيع الإجابة عنها، وبالفعل صرت أقرأ روايات وقصص وكتب في السياسة والاجتماع ، كتب عن الثورات الروسية والبلشفية والعربية ، كتب عن التاريخ العربي والإسلامي، قرأت كثيراً عن وطني فلسطين وقضيتنا وتاريخنا الفلسطيني. ونتيجة للقراءة والثقافة تكونت لدي قدرات وملكة التأليف والكتابة ، فقمت بكتابة العشرات من المقالات في السياسة والاجتماع، ومن تجاربي المهمة ألّفت كتاباً من 200 صفحة حول تجربة الإضرابات التي خاضتها الحركة الوطنية الأسيرة في سجون الاحتلال منذ الإضراب الأول عام 1970 الذي استشهد فيه الشهيد عبد القادر أبو الفحم حتى الإضراب عام 2012. لقد كتبت الكتاب بالقلم داخل السجن، وهو كتاب لم يُنشر أو يطبع بعد ، وسأسعى لطباعته ونشره في الفترة المقبلة. عملت داخل السجن في حركة فتح في مختلف المسميات مثل موجه وعضو مجلس ثوري وعضو لجنة مركزية وقائم بأعمال موجه عام، هناك جلسات تنظيمية وثقافية وفكرية. عملت أيضا في السجن أستاذ ومحاضر أُدرس الطلبة الأسرى المنتسبين لجامعة الأقصى أو جامعة القدس المفتوحة، لقد كانت تجربة مميزة ، استمريت في العمل الأكاديمي في السجن مدة 7 سنوات منذ العام 2012 وحتى العام 2018 حيث كنت ادرس الطلبة الملتحقين ببرنامج التاريخ. تجربتي في التدريس مميزة ، أُحضّر المادة في غرفة السجن بواسطة الكتب العلمية ، أعد ملخصات للمادة ، وفي وقت الجلسة الدراسية أقوم بالشرح والحوار والمناقشة، كنت استخدم في التدريس نفس الطرق الأكاديمية التدريسية المتبعة في الجامعات، كان عندي ما يقرب 30 طالباً ، اعمل للطلبة الأسرى اختبارات قصيرة ، اطلب منهم تكليفات وبحوث وهكذا.. في السجن كان لي تجربة أيضاً في تدريس الطلبة الأسرى الملتحقين ببرنامج الثانوية العامة من خلال إعطاؤهم دروس تقوية في الرياضيات والثقافة العلمية والجغرافيا. في السجن كان لدي طموح أن أُكمل دراسة الماجستير، سجلت في الجامعة العبرية عام 2006 لكن تم رفض طلبي من قبل مصلحة السجون ، حاولت أُسجل ماجستير أيضاً في برنامج الماجستير الذي يديره الأخ القائد الأسير مروان البرغوثي في سجن هداريم لكن قامت مصلحة السجون بمنعي من الوصول للسجن أو الالتحاق بهذا البرنامج، حاولت أُسجل في الماجستير بجامعة الأقصى عن بُعد لكن إجراءات مصلحة السجون منعتني من ذلك أيضاً. العزل والإضرابات تعرضت داخل السجن عدة مرات للعزل الانفرادي بمجموع يصل إلى أكثر من ثلاث سنوات ، الاحتلال يستثمر العزل للضغط الجسدي والنفسي هو يهتم بالابتزاز النفسي ، كسر إرادة الأسير ونفسيته ، لكن الأسير يجب أن يواجه السجان بالإرادة والصمود والصبر والتحدي . في العام 2016 نقلوني من نفحة لريمون وعزلوني في الزنزانة، وجاء ضابط إسرائيلي يهدنني، وقال:« نحن سنمنع أهلك من زيارتك، سوف ننقلك إلى سجن جلبوع البعيد"، فتصديت له وقلت:« سوف يزورني أهلي لن تمنعهم من زيارتي ، حتى لو نقلتني إلى أي سجن"، كما قلت له:« أنت احتلال وأنا ابن فلسطين ابن قضية". لقد كنا نتّبع في السجن ثقافة المواجهة و عدم الخوف من التهديد. خضت 4 إضرابات عن الطعام أكبر إضراب خضته عام 2012 وأنا في سجن نفحة ، حيث استمر مدة 29 يوماً متتالية، هذا الإضراب نجح نجاحاً مميزاً حيث استطاع تحقيق 3 مطالب رئيسية هي السماح بزيارة أهالي غزة لأبنائهم في السجون، وإخراج الأسرى المعزولين ، وتحسين ظروف الحياة الاعتقالية. خلال الإضراب كان لي تجربة في العمل كمسؤول التعبئة الوطنية والإرشاد الصحي في السجن بشكل عام ، كما كنت عضو لجنة مركزية لحركة فتح. الاحتلال لا يتوانى في تنفيذ عمليات القمع والعدوان والإرهاب على الأسرى في السجون ، عايشت 4 قمعات ، منها ما حدث بتاريخ الحادي والثلاثين من شهر يوليو من العام 2003، كنت امشي بالعكاكيز ،هجم الجنود يريدون أخذ شباب من القسم، فتصدى الأسرى لهم بكافة الأدوات بالصحون والأكواب وعلب التونة التي يتم وضعها في جرابين ونستخدمها كأداة للضرب. أصيب في تلك الحادثة 16 جندياً إسرائيلياً ، و 45 أسيراً ، لقد نجح الأسرى في المواجهة والتحدي فاستطاعوا مواجهة الجنود والتصدي لهم وإلحاق الخسائر بهم رغم عدم التكافؤ في القوة ، فهم مدججين بالسلاح، لكننا نحن مدججين بالإرادة وهي تصنع الفارق. القمعة الأخيرة كانت قبل تحرري ب6 أشهر، حيث جاء مجموعة حراس السجن في أول يوم من أيام عيد الفطر ، كانوا يريدون أخذ أحد الشباب فتصدينا لهم ، ونتيجة ذلك تعرضنا للقمع والغاز الشديد. بخصوص الزيارات تم منع أهلي من زيارتي عدة سنوات ، وبعد العام 2012 تمت السماح بالزيارة لكن خلف الزجاج وبواسطة التيلفون. أخيراً رسالتي للأسرى أقول:« أنتم فخر لنا ، شدوا حيلكم، النصر صبر ساعة، الصبر مفتاح الفرج ، لن يطول الغياب والعذاب، وندعو الله عز وجل أن تتنسمون الحرية قريباً.