لقد تضافرت في ذلك عوامل عدة. لننظر مثلاً في دور الهواء في توفير الغذاء.. الهواء كما نعلم ركب من عدد من العناصر، وهي (أكسجين.. ثاني أكسيد الكربون.. نتروجين) إننا نستمد أنفاسنا من الهواء من أكسجينه، ويستمد النبات نموه من الهواء من كربونه، ونحن نأكل النبات، ونأكل الحيوان الذي يأكل النبات، ومن كليهما تبنى أجسامنا. بقي من غازات الهواء: النيتروجين أو الأزوت فهذا لتخفيف أثر الأكسجين حتى لا نحترق بأنفاسنا، أما بخار الماء فهذا لترطيب الهواء، وتبقى طائفة من غازات أخرى قليلة في نسبها، ولكن لها تأثيرها. إن الأقوات المقدرة في الأرض والتي أشارت إليها الآيات أوسع مفهوماً مما يؤكل في بطون البشر فهي أقوات في الأرض (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) فهي للإنسان والحيوان، وللطير وللهوام وللنبات وللكائنات الأولية، بل وللكائنات الغيبية كالجن ودوابها، وكل الأقوات مركبة من العناصر الأصلية التي تحتويها الأرض في جوفها أو جوها سواء، فيمتد الأمر إلى ما هو فوق الغذاء، فيشمل أيضاً الدواء والكساء، فكل هذا من بين عناصر الأرض المودعة فيها والمقدرة، وكل هذا يشير إلى شيء من البركة والتقدير لعلنا نتفكر.والأرض في ضخامتها لا تساوي ذرة من هذا الكون العظيم، ولو أن حجمها كان أقل أو أكثر مما هي عليه الآن لاستحالت الحياة فوقها؛ لأن هذا التغيير في حجمها سيؤثر في مقدار الجاذبية الحالية لها، مما يؤثر في تماسك الماء والهواء من حولها، أما إذا زاد حجمها كثيراً عما هو عليه الآن لتضاعفت الجاذبية، ومن ثم سينكمش الغلاف الجوي ويزداد الضغط الجوي وسيؤدي ذلك إلى استحالة نشأة الأجسام الحية أو استمرارها.إن الأرض تتم دورة واحدة حول محورها كل أربع وعشرين ساعة ومعنى ذلك أنها تسير حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة، فإذا افترضنا أن هذه السرعة انخفضت إلى مائتي ميل في الساعة لطالت أوقات ليلنا ونهارنا عشر مرات بالنسبة إلى ما هي عليه الآن، ويترتب على ذلك أن تحرق الشمس لاستمرار حرارتها كل شيء فوق الأرض، وما بقي بعد ذلك ستقضي عليه البرودة الشديدة في الليل؛ فسبحان من خلقها، فسواها فقدر ها تقديراً.