أطلقت السلطات السودانية سراح زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي الذي اعتقل في جانفي الماضي مع أحد قادة حزبه لأسباب يعتقد أنها ترجع لتصريحات قال فيها إن الرئيس عمر البشير "مدان سياسيا بجرائم ارتكبت في دارفور, وعليه المثول طوعا أمام المحكمة الجنائية الدولية".وأوضح صديق نجل الترابي (76 عاما) أن والده أفرج عنه من السجن في بورسودان ونقل جوا إلى منزله في الخرطوم في الساعات الأولى من صباح أمس دون أي تفسير.ونقلت رويترز عن صديق قوله إنه لا يعرف ما سيحدث بعد ذلك, مشيرا إلى عدم وجود حراسة أمنية على المنزل. وقال صديق إن والده بدا في صحة طيبة ولكنه فقد بعضا من وزنه, مشيرا إلى أنه تم الإفراج أيضا عن بشير آدم رحمن أمين الشؤون الدولية في حزب المؤتمر الشعبي السوداني الذي يتزعمه الترابي.ووفقا لوكالة رويترز فإن الترابي أصبح الزعيم السياسي الوحيد داخل السودان الذي دعا البشير لتسليم نفسه للمحكمة الدولية في لاهاي كي يواجه اتهامات بتدبير جرائم حرب في دارفور.وقد أجمعت معظم القوى السياسية السودانية على وصف اتهامات المحكمة الدولية للبشير بأنها مؤامرة غربية وصهيونية ضد السودان.جاء ذلك في وقت هدد البشير بطرد دبلوماسيين, وحذر في أول زيارة له لدارفور منذ صدور مذكرة اعتقاله منظمات الإغاثة بأن عليها احترام سيادة السودان. وقال البشير إن من يعتدي على استقلال بلاده سيطرد.واعتبر الرئيس السوداني في تجمع جماهيري بدارفور أن الغرب غير مؤهل للعدالة وحقوق الإنسان, وقال موجها كلامه للمحتشدين "يتحدثون وكأنهم سادة العالم ولكننا لن نسلم أيا من مواطنينا".كما أشار البشير إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وقال إنه "كذب على شعبه وكذب على الدنيا كلها وزعم وجود أسلحة دمار شامل في العراق وقتل مليونين وهجر خمسة ملايين عراقي وبلغ عدد القتلى واللاجئين في العراق أكثر من سكان دارفور كلها، ولا يشكل ذلك جريمة لأن الفاعل أميركا تريد قتل الآخرين لتبقى هي لتعيش".ودافع الرئيس السوداني عن قراره بطرد 13 منظمة إغاثة دولية متعللا بأنهم "جواسيس" و "لصوص". كما قال إنه لن يدع أمر اعتقاله "يخرب السلام" بين شمال السودان وجنوبه.وقال مراسل الجزيرة إن البشير شن خلال خطاب جماهيري استمر نحو ساعة هجوما عنيفا على بعض الدول الغربية واتهمها بالسعي لممارسة استعمار من نوع جديد بالسودان.من جهة ثانية قال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي خلال لقاء مع البشير في الخرطوم إن الجامعة العربية ستواصل مساعيها لنزع فتيل الأزمة، مشيرا إلى أن الجامعة سترسل وفدا إلى مجلس الأمن لإقناع أعضائه بتعليق أمر الاعتقال.وأشار إلى أن السودان يدرس تعويض منظمات الإغاثة الدولية التي تم طردها من دارفور للتواجد وإعطاء فرصة لعملها بالإقليم. وذكر موسى لدى عودته إلى القاهرة أنه تم الاتفاق على بقاء المنظمات الإنسانية التي تزيد عن مائة ويتاح لها العمل هناك.كما نفى موسى بحث الاقتراح المصري بعقد مؤتمر دولي بشأن دارفور, مشيرا إلى أنه لم يتم بحث مشاركة البشير من عدمها في القمة العربية القادمة, قائلا "الطبيعي هو مشاركة الجميع لأن الكل مدعو للحضور". احتجاجات في القاهرة ضد مذكرة اعتقال البشير تواصلت الفعاليات المصرية المناهضة لقرار المحكمة الجنائية اعتقال الرئيس السوداني، إذ عبر صحفيون ومحامون وأطباء عن غضبهم لموقف المحكمة "رغم الخطوات البناءة والتعاون الذي أبدته حكومة السودان والرئيس عمر البشير حيال ملف دارفور المعقد".وأمام مقر نقابة الأطباء المصرية نفذ مئات الأطباء ونشطاء إغاثة ودبلوماسيون سودانيون وقفة صامتة احتجاجا على مذكرة توقيف البشير، متهمين المحكمة الجنائية بتسييس القضية وتحويل القضاء الدولي لأداة جديدة لعودة الهيمنة الغربية إلى أفريقيا.وقال نقيب الأطباء المصريين حمدي السيد "إن إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس عربي بتهم لم يتورط بها بينما يترك القادة الإسرائيليون بجرائمهم البشعة في غزة دون أي ملاحقة يؤكد تسييس عمل المحكمة الجنائية وتحولها لجزء من مشروع تقسيم السودان وزعزعة استقراره".واستنكر أمين صندوق النقابة عصام العريان إصرار المحكمة ومدعيها العام لويس مورينو أوكامبو على إصدار قرار التوقيف "رغم المساعي العربية والدولية لاحتواء الأزمة والمواقف الإيجابية التي أبدتها حكومة السودان تجاه شعب دارفور".وحذر العريان -وهو قيادي بارز بجماعة الإخوان المسلمين- من أن إدخال السودان في هذه الدائرة المفرغة من التوتر وقطع الطريق على مساعي المصالحة في دارفور، لا يهدد الأمن القومي لمصر بصفتها دولة جوار للسودان، بل يهدد الأمن القومي العربي.وأضاف للجزيرة نت أن نقابة الأطباء سوف ترسل وفدا بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني العربي تحل محل المنظمات الغربية التي طردها السودان "والتي كانت تقوم بعمل استخباراتي من خلال تقديم معلومات مغلوطة لأجهزة الاستخبارات الدولية". بدوره، طالب المستشار الإعلامي بالسفارة السودانية بالقاهرة عبد الملك النعيم أحمد الشعب السوداني بالالتفاف حول قيادته "والتنبه لمحاولات إغراق البلد في حرب أهلية"، مذكرا بالعديد من المؤامرات الخارجية التي حاولت النيل من وحدة السودان واستقراره انطلاقا من ذات القضية. وقال عبد الملك للجزيرة نت إن الحكومة السودانية قدمت للعالم ما يكذب الاتهامات التي ساقها أوكامبو وقطعت خطوات كبيرة على طريق المصالحة في دارفور، مذكرا باتفاق المصالحة الأولى في الدوحة قبل أسبوعين بين الحكومة وأحد أكبر الفصائل المسلحة بالإقليم. وقال "إن لم يتوحد العرب والشعوب العربية في موقف حازم من هذه التطاولات فلن تكون مذكرة الرئيس البشير آخر مذكرات هذه المحكمة المسيسة بحق الرؤساء العرب".من جهة أخرى، استنكرت "الجبهة القومية للمحامين العرب" مذكرة اعتقال البشير، ووصفتها بأنها قرار مشبوه ومصبوغ بصبغة سياسية أميركية. وقالت الجبهة في بيان، إن استمرار وجود البشير رئيسا لدولة السودان "يعزز أمنها بعد الحرب الأهلية ويدعم اتفاق السلام بين أبناء السودان". وطالبت الجبهة المحامين العرب بالعمل على تجميد إجراءات المحكمة الجنائية الدولية "تحقيقا لأمن السودان، وتأكيدا على سيادته الوطنية".وأضاف البيان أن "القرار لم يصدر انتصارا لحقوق المدنيين في دارفور، ولا لأن البشير في سبيل دفاعه عن وحدة السودان قد مارس على المدنيين في دارفور عنفا غير مبرر، فما قام به البشير إن صح لن يكون أبدا أشد شراسة أو دموية أو إجراما مما فعله مجرمو الحرب ليفنى وأولمرت وباراك ونتنياهو وشمعون بيريز وشارون وبلير، ولن يكون أشد وطأة ولا اختراقا للقوانين الدولية ولا تعذيبا للأبرياء، مما ارتكبه مجرم الحرب الأول في العالم جورج دبليو بوش".بدوره، أعرب الاتحاد العام للصحفيين العرب عن إدانته واستنكاره الشديدين لقرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير، معتبرا أن القرار يشوبه البطلان لأنه ارتدى عباءة سياسية بعيدا عن القانون الدولي ومشتملاته.وطالب الاتحاد كافة منظمات المجتمع المدني في العالم برفض القرار الذي وصفه بالجائر، وإبراز "السياسة الاستعمارية الجديدة والكيل بمكيالين". ودعا الاتحاد الشعب السوداني إلى دعم صفوفه ووحدته، والعمل بكل السبل والوسائل على حل مشكلة دارفور حلا سلميا وبإرادة الداخل السوداني.