لقد تعرّض نبي الله يوسف عليه السلام إلى فتنة عظيمة، فقد عُرضت عليه المعصية ومُهد طريقها، ولكن الله تعالى نجّا عبده ونبيّه عليه وعلى آبائه السلام، فهو كريم ابن كريم ابن كريم، فقد اقتضت سنة الله في عباده أن يمتحن عباده ويختبرهم ليرى منهم الطاعة والامتثال، أو المعصية والاستنكاف، أما عباد الله المتقين فإن الله كفيلهم وحافظهم بإخلاصهم وصدقهم، وأما الذين تمادوا في العصيان وأحبوا فِسقهم ومعصيتهم وتباهوْا بها وجاهروا بعصيانهم فإنه يوكل أمرهم لأنفسهم، فمرّة يقعوا فيها وتارة تأتيهم أسباب تُسهم في نجاتهم من الوقوع في المعصية بإذن الله تعالى، لكن ما وقع ليوسف عليه السلام يدل على قوّة صدقه وإخلاصه وقوّة حفظ الله لهذا العبد الذي يُراد له أن يكون نبيا من الأنبياء، ولو تأمل متأمل في ملابسات الفتنة التي عُرضت عليه لعلم أن يوسف عليه السلام ثبت بحق أمام فتنة عاصفة، فدواعي ودوافع الوقوع في المعصية كلها كانت حاضرة ومتوفرة، ومن ذلك: ما ركبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة، وهو شاب وشهوته أقوى، أنه كان عزباً ولم يسبق له أن تزوج، وأنه كان في بلاد غربة، ويتأتى له ما لا يتأتى لصاحب وطنه، وأن المرأة كانت ذات منصب وجمال، وأنها كانت غير آيبة ولا متمنعة، وهذا يُبعد الرجل، والبعض يزيدهم الإباء طلبا للمرأة، وأنها هي التي طلبت وأرادت وراودت وبذلت الجهد، وأنه كان في دارها تحت سلطانها ويخشى من قهرها، وأنه لا يخشى أن تَنُم عليه هي، ولا أحد معه فيما فعلت وأنها هي من طلبت، فقد غيّبت الرقباء وغلقت الأبواب، وأنه مملوك لها في الدار، فلا يُنكر دخوله وخروجه، وأنها استعانت عليه بالمكر والاحتيال، فاستعان هو بالله تعالى وقال: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)، وأنها توعدته بالسجن والصغار، وهو نوع إكراه تهديد، وأن زوجها لم يُظهر من الغيرة والنخوة ما يُفرق به بينهما. فهذه أساب لو توفرت لأحدٍ ما لما تأخر لحظة ولادّعى أن كل شيء كان ضدّه وعليه، فهذه دوافع تبيّن قوّة عفّة النبي يوسف عليه السلام ليكون نموذجا ومثالا للشباب والعفة.