يبدو أن التخلص التدريجي برامج التحفيز الاقتصادي ودعم القطاع المالي التي أطلقتها مختلف حكومات العالم لمواجهة الأزمة المالية العالمية، بات مطلوبا خاصة في بعض عناصرها مثل الدعم المالي المباشر وقيام الدولة بشراء منتجات هذه القطاعات، حيث خرجت التقارير الواحد تلو الأخر تطالب بضرورة إنهاء التدخلات الحكومية ووقف عجز الميزانيات الذي ظهر بشكل ضخم في الآونة الأخيرة. وفي هذا الصدد، شدّد تقرير اقتصادي حديث على أنه ينبغي لدول المجلس، ومن بينها السعودية والإمارات، أن تبدأ في إعداد إستراتيجية للخروج من مستويات الإنفاق المرتفعة الحالية، على أن يجري تنفيذها فور توافر الظروف الملائمة. دعا التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي دول المجلس إلى التركيز على دعم قطاعاتها المالية كأولوية قصوى في المدى القصير؛ تحوطاً من تداعيات سلبية محتملة لأزمة الديون السيادية في الدول المتقدمة. وحذر التقرير من أن أهم الأخطار التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، تنحصر في احتمال تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي وما يمكن أن ينتج منه من بقاء أسعار النفط الخام عند مستويات منخفضة لفترة طويلة. وجاء التحذير في تقرير أصدرته إدارة منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، عن أحدث التطورات على صعيد آثار أزمة المال العالمية على مجلس التعاون الخليجي، والتحديات المستقبلية التي تواجهها الدول الست الأعضاء. وعلى غير المتوقع، قام خبراء الصندوق بتحديث آفاق الاقتصاد العالمي، لا ليستبعدوا احتمال انكفاء الانتعاش الحالي فحسب، بل ليعززوا معدّل النمو في السنة الحالية إلى 4.6% في مقابل 4.2% في أفريل الماضي، لكن تفاؤلهم لم يمتد إلى أسواق الطاقة إذ رأوا أن أسعار النفط التي انخفضت 36% في 2009 سترتفع في 2010 بمعدل 22% وليس 30% كما كان متوقعاً. وعلاوة على خفض نسبة الزيادة المتوقعة في أسعار النفط، لم يستبعد صندوق النقد احتمال تأثر النمو الاقتصادي في دول المجلس في المدى القصير، سلباً بالتحديات التي تواجهها قطاعاتها المالية، لاسيما في الإمارات والكويت، مشيرا إلى أن التحديات فرضتها الأزمة العالمية "من شأنها أن تبقى قابلة للمعالجة ولن تؤثر في آفاق النمو في المدى الطويل". وتوقع خبراء الصندوق في المحصلة أن تستمر دول المجلس بدعم نمو اقتصاداتها السنة الحالية، عبر برامج الحفز الاقتصادي، خصوصاً في السعودية والإمارات وأخيراً الكويت، مؤكدين أن هذه البرامج نجحت في حماية الاقتصادات الخليجية من الآثار المدمرة للأزمة العالمية. وشدّد الصندوق على أنه ينبغي لدول المجلس، ومن بينها السعودية والإمارات، أن تبدأ في إعداد إستراتيجية للخروج من مستويات الإنفاق المرتفعة الحالية، على أن يجري تنفيذها فور توافر الظروف الملائمة. وأشاروا إلى أن الأزمة العالمية وتداعياتها على النشاط الائتماني الدولي، ألحقت أضراراً بالقطاعات المالية الخليجية، تجسدت أبرز مظاهرها، في معظم دول المجلس، في انخفاض أسعار العقار وتراجع أرباح الشركات ومؤسسات المال التي سجلت زيادة ملحوظة في قروضها المتعثرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى مؤشرات البورصات الخليجية التي انتعشت نهاية 2008 وبداية 2009 لكنها لا تزال دون مستوياتها لما قبل الأزمة. ولفت خبراء صندوق النقد إلى أن المصارف الخليجية لم تحقق سوى نمو "أنيمي" في مجالي اجتذاب الإيداعات والنشاط الائتماني في النصف الأول من السنة الحالية، إذ أحرزت نجاحاً محدوداً في جذب إيداعات القطاع الخاص واستمرت في المحصلة بتلقي سيولة ضخمة من القطاع العام.