أشياء لا تحدث إلا عندنا، نظريات الاقتصاد وقوانينه العالمية يتحطم أنفها أمام جدار الواقع الجزائري المتعنت، فلا تحاول أن تفتح عينيك أكثر مما يفتحها القط في وضح النهار، فالقانون الوحيد الساري مفعوله عندنا، هو قانون "إلى الأمام دائما دون التفات"! يرتفع الإنتاج أو ينخفض ، فجلالة "السعر" دائما في برجه العالي، يتبع في ذلك "سعر" المسؤولية الذي يرفع صاحبها ولا ينزله مهما كان الوضع، وتلك هي الحقيقة الوحيدة التي تسطع بألف ضوء. قبل أكثر من عشرين سنة، في ضواحي العاصمة، قرب بحيرة تتخذها الطيور المهاجرة محطة للاستراحة، خرجت كعادتي كل صباح، أغسل عيني بضوء النهار، فوقعت على منظر اشمأزت له جميع جوارحي. "جواج" ويتاجر أيضا في الخضر والفواكه، من رواد "تفسد البضاعة و لا ينزل سعرها"، أفرغ حمولة شاحنة من الدجاج المتعفن، في هذا المكان الذي كان يومئذ شبه خال، وبعيد عن أعين الرقباء، و قبلها بحوالي شهر، أفرغ نفس التاجر حمولة شاحنة أخرى من "الخس" الذابل، تذكرت هذه الحادثة، وأنا أقرأ خبرا، مفاده أن الجزائر تعتزم استيراد لحوم حمراء لمقابلة الطلب المتزايد في شهر الصيام الكريم، الذي صار شهرا للاستهلاك بامتياز، في الوقت الذي يتنبأ فيه المسؤولون بكساد وفساد اللحوم البيضاء التي ستعرف فائضا في الإنتاج! حكاية لا تكاد تصدق ونحن "الغلابى" مازلنا نتوسد غيضنا من غلاء "كومة"دجاج". حكاية سبق أن عرفت الجزائر مثلها، ولا نستغرب أن يحدث للدجاج ما حدث للطماطم الصحراوية التي لم يعرف منتجوها شاريها، وبطاطا معسكر التي اصطدم منتجوها بمشكل تخزينها وتسويقها، فنتنت بها الغابات، في حين يتحرق المواطن شوقا إليها! وها نحن اليوم نسمع أن الدجاج سوف لن يعرف شاريه، بينما أغلبنا مايزال ينام بحسرة الحرمان من فخذ "فروج" ، والمسؤولون.. يسوقون فائض الكلام! والحال هذه، ندعو الله أن يبعث فينا "جواجا" كالمذكور آنفا، بل جواجون يرمون دجاجهم الكاسد في كل حي ، "يشفعون" في المحرومين، فيطفئون على الأقل شهوتهم للحم الأبيض .