النزاهة متوفرة، الضمانات موجودة وأوزان الصالونات غائبة قد يطرح الكثير من المتتبعين وليس طبعا المواطنين، سؤال: لماذا لم يترشح الشيخ "جاب الله" لرئاسيات 2009، وهو الشيخ المعروف عنه بين أوساطه وأتباعه بأنه من عشاق كرسي المرادية، بل إن حلم حياته أن يجلس فوق هذا الكرسي؟ ولماذا يقاطع سعيد سعدي زعيم الديمقراطيين اللائكيين هذه الانتخابات الرئاسية، وهو الذي كان مريضا بهاجس التزوير؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي جعلت "الدا حسين" رغم ثقله التاريخي والنضالي الذي لا يشك فيه أحد أن يقاطع هو الآخر هذه الانتخابات، وهو الذي كثيرا ما اتهم زورا وبهتانا مؤسسة الجيش بالتدخل في تعيين الرئيس؟ هذه طبعا بعض الأسماء التي يقال هنا وهناك إنها غائبة، لكن هذه المرة فالأسماء التي تمثل تيارين مختلفين لم تجد ورقة واضحة تبرر بها المقاطعة، سوى أن نتائج الانتخابات محسومة مسبقا، وأن بوتفليقة هو الرئيس القادم وأنه سينال عهدة رئاسية ثالثة. اللجنة السياسية لمراقبة الانتخابات الرئاسية، برئاسة "محمد تقية"، قدمت ضمانات من أجل نزاهة الانتخابات، لم يسبق أن قدمتها لجنة سياسية للمراقبة منذ الاستقلال، حيث هددت المزورين بعقوبة تصل حد السجن. والحكومة على لسان وزيرها للداخلية، أعطت هي الأخرى ضمانات لم تقدمها حكومة سبقتها من أجل نزاهة الانتخابات أيضا، بحيث سيحصل ممثلو المترشحين على نسخة من محضر الفرز، سواء على مستوى البلدية أو الولاية، فكيف إذا يكون التزوير في الانتخابات؟ أم أن هناك "أرواح جنية" على شكل أوراق تسكن صناديق الاقتراع لا تراها الأعين الإنسية، وبالتالي لا يمكن مراقبتها من طرف ممثلي المقاطعين والمترشحين، وهذا طبعا نوع من أنواع المجاز أكثر منه حقيقة. الحقيقة التي لا يملك الشجاعة أن يتحدث عنها المقاطعون، والتي تقف فعلا وراء مقاطعتهم، أن طموحاتهم تفوق طموحات المشاركة وأن نفوسهم لا تتوق ولا ترضى إلا بالجلوس فوق كرسي المرادية، وهذا الهدف بعيد المنال بوجود اسم الرئيس بوتفليقة، لأن هذه الأسماء التي تصنف في خانة بعض سياسيي الصالونات بالأوزان الثقيلة، ما هي في حقيقة الأمر إلا تصنيفات سياسيين أوهموا بعضهم البعض بها وتبادلوا الغزل بمصطلحاتها فيما بينهم، فيما فهم بوتفليقة قواعد اللعبة مسبقا ونزل للميدان وكسب ود وحب شعبه وحقق مسبقا فوزا ساحقا، وذلك بخوف هذه الأوزان حتى بالنزول إلى الميدان للتباري معه باستعمال حجة الإقناع، بل فضّلوا هذه المرة البقاء فوق المدرجات دون قبعة مؤسسة الجيش التي اعتادوا وضعها، ذلك أن حياد المؤسسة العسكرية هذه المرة وكسالف المرات لا ينكره إلا سياسي جاهل وجاحد، فلم يبق أمام هؤلاء السياسيين إلا ارتداء ثوب المقاطعة لستر عوراتهم السياسية، أو البحث عن قبعة أخرى غير قبعة الجيش تحميهم من حر أشعة البطالة السياسية التي أصابتهم، وقد تكون قبعة "تقية".