في بادرة هي الأولى من نوعها، توجّه الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما في خطابه التاريخي، الذي بث أول أمس إلى القادة الإيرانيين بمناسبة رأس السنة الإيرانية، عارضا عليهم طي صفحة الماضي وتجاوز النزاع الطويل الذي دام ثلاثين عاما، وبداية عهد جديد يسوده الاحترام المتبادل بين البلدين، بعدما كانت إيران مصنّفة ضمن الدول المغضوب عليها "محور الشر". ويرى المحللون السياسيون أن هذا الغزل الأمريكي للجمهورية الإسلامية، جاء كنتيجة حتمية للمستنقع العراقي الذي وقعت فيه، بالإضافة إلى الضربات القوية التي تتلقاها على أيدي قوات طالبان في أفغانستان التي ألحقت بصفوفها وبصفوف قوات الحلف التي تقوده، خسائر كبيرة، مما أدى بكبار القادة الأمريكيين للاعتراف بأن حركة طالبان في أفغانستان تشكّل أكبر تحد عسكري للولايات المتحدة وقوات الحلف. وعلى هذا الأساس، يؤكد المتتبعون للقضية أن لجوء أوباما للحل الدبلوماسي بدلا من الحل العسكري، هو من أجل التقرب من إيران لإيجاد مخرج تفلت منه أمريكا من المستنقع الأفغاني، لاسيما وأن إيران أصبحت قوة عسكرية قوة يحسب لها ألف حساب في المنطقة، خاصة بعد إعلانها عن برنامجها النووي. وذكر أوباما في خطابه الموجّه إلى النظام الإسلامي والشعب الإيراني، أنه يريد التحدث بكل وضوح مع القادة الإيرانيين عن مستقبل لا تشوبه خلافات، داعيا نظيره الإيراني أحمدي نجاد إلى عقد لقاءات بين المتخاصمين لإنهاء الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، مؤكدا على سعي بلاده لحوار نزيه يرتكز على الاحترام المتبادل، وهو الأمر الذي يرى فيه المحللون السياسيون أنه سعي أمريكي للانفتاح على إيران، من خلال اختيار رأس السنة الإيرانية وإعلان أوباما عن بداية عهد جديد مع الجانب الإيراني. ويقول المحللون إن الرسالة التي اختار أوباما ووجهها، أمس، إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تمثّل تحوّلا مثيرا في لهجة الخطاب الأمريكي، بعد أن كان الرئيس السابق بوش، شمل إيران إلى جانب كوريا الشمالية والعراق في مصطلح "محور الشر"، وهددها مرارا بضربة عسكرية. ويرى المحللون السياسيون أنه من غير المعقول أن يتحدث أوباما عن السلاح النووي الإيراني وإمكانية التصعيد ضد كوريا أو باكستان، قبل أن يتفرغ على الأقل سنتين للإصلاح الاقتصادي الداخلي أولاً، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي تشهدها الولاياتالمتحدة، والتي أكد أن معالجتها ستتطلَّب وقتًا طويلاً، وأن الخروج منها يحتاج جهدًا مضاعفًا وتعاونًا مع جميع دول العالم، بما فيها تلك المصنفة ضمن قائمة "محور الشر".