انتقد الخبير الاقتصادي والبروفيسور في جامعتي باريس ورين الفرنسيتين، والمستشار الدولي لدى كبريات المجموعات الاقتصادية في البلدان المغاربية، فوزي بن سبع، الآليات التي ما تزال تتحكم في التوجهات العامة للاقتصاديات الناشئة، ومنها الجزائر، مؤكدا أن محيط الأعمال عموما لا يساير المعطيات الاقتصادية الراهنة، مما يعيق كل المساعي الرامية إلى تحقيق الاقلاع الاقتصادي. وقال بن سبع، أمس، خلال تنشيطه للملتقى الأول حول الذكاء الاقتصادي الذي بادرت إلى تنظيمه مؤسسة "القوس" للمعارض بفندق "الماركير"، إنه لا خيار للفاعلين الأساسيين في العملية الاقتصادية لحماية وجودها في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية إلا بتحويل صلاحيات التسيير و"المناجمنت التجاري" إلى الخبراء والفنيين والتقنيين من أجل ضبط الطرق المناسبة لحماية اقتصادياتها من جميع المخاطر التي صنفها الخبير بن سبع ضمن تداعيات الأزمة العالمية في ثلاث درجات، تتفاوت من حيث التأثيرات. وأوضح بن سبع أنه يجب في مرحلة أولى، مراجعة كل الأنماط المعمول بها في مجال تسيير الموارد البشرية، وهي حسبه الركيزة الأولى التي يبنى عليها كل اقتصاد يضمن بمقتضاها ديمومته ومكانة في سوق المنافسة، مؤكدا أن الجزائر ما تزال حبيسة المناهج الكلاسكية في تسيير الموارد البشرية، وما تزال برامجها لتأهيل اليد العاملة تراوح المراتب الأخيرة، في وقت خطت الدول الجارة خطوات جبارة في هذا المجال، بالاعتماد على التجارب التي سبق للعالم المتقدم تطبيقها في الميدان وأتت بنتائج إيجابية، موضحا أن الاقتصاد المستقبلي ما بعد النفط يعتمد بالدرجة الأولى على العنصر البشري. وأضاف بن سبع أن الواقع الاقتصادي في البلاد بحاجة إلى قرار سياسي، يحدد الأولويات العاجلة ويتجاوب بالإيجاب مع مقترحات الفنيين والخبراء الذين ستوكل لهم مهمة التأطير والمتابعة والمرافقة. واقترح بن سبع أن تقتفي المؤسسات المحلية آثار نظيراتها في أوروبا، التي تراهن كثيرا على أداء خلاياها للمتابعة والتي يصطلح عليها باسم "مركز الاستعلامات الاقتصادية" التي تتكفل باستطلاع السوق من جميع جوانبه، مع وضع مقاربات افتراضية لدراسة وتمحيص كافة الاحتمالات، سواء تلك التي تتعلق بمنتوج المؤسسة في حد ذاته، أو بالبيئة العامة للاستثمار ومخاطرها. وأضاف بن سبع أن الجزائر فعلا في منأى في الوقت الحالي عن الأزمة المالية العالمية التي تفاقمت تدريجيا وأصبحت أزمة اقتصادية شاملة، لكنها معرضة على المدى القريب لأن تتأثر بتداعياتها إن لم يسارع الجهاز التنفيذي إلى أخذ الاحتياطات اللازمة، أولها مراجعة نظم تسيير الموارد البشرية التي يرى فيها بن سبع الآلية المحورية الأساسية في الحلقة الاقتصادية، لأن تأهيل العنصر البشري معناه تغيير مناهج التسيير كافة، وبالتالي ضمان أداء مؤسساتي قوي وقادر على المنافسة. وقارن بن سبع نجاح هذه الآليات، بضرورة أن تتجاوب التشريعات والقوانين بشكل إيجابي مع محيط الأعمال، وليس على نقيضه مثل ما هو حاصل حاليا، حيث أوضح ذات المسؤول أن الاقتصاد المحلي حاليا يعيش مفارقات كثيرة وما تزال الفجوة كبيرة بين المقررين على مستوى أعلى السلطات التنفيذية والفاعلين الاقتصاديين، ويتجلى هذا الشرخ عندما نكون أمام تشريعات تكبح وتعيق أي طفرة اقتصادية أو تكرس أساليب المفاضلة بين المتعاملين أو القطاعات الاقتصادية. وقال بن سبع إن الجزائر تبقى من البلدان القليلة في العالم التي لم تؤسس لثقافة "المناجمنت" الاقتصادي، ولم تبادر إلى إنشاء معاهد وجامعات متخصصة في تسيير الموارد البشرية التي أصبحت علما قائما بذاته، يلقّن في كبريات الجامعات الغربية التي أدركت أن المستقبل في ظل العولمة الجارفة، رهين من يحسن توظيف الكفاءات والخبرات.