جدّدت عائلات تقطن بمركز العبور بحي سوسطارة، التابع لبلدية القصبة، مطالبها بالترحيل العاجل إلى مساكن اجتماعية، منددة بتجاهل وتهميش السلطات لها، فهم مدفونون بالحياة ب "دار الغولة" التي كانت في عهد الاستعمار مقرا لتعذيب الجزائريين، أما حاليا فهو مقر للتعذيب بطريقة أخرى وعلى أيدي مواطنيهم، ومسؤوليهم الذين تركوهم يتخبطون في معاناة دامت أكثر من 14 عاما. يفوق تعداد هذه العائلات 20 عائلة كانت تقطن في منازل بالحي العتيق بالقصبة، ولما طالبت في سنوات التسعينات بسكنات اجتماعية، كون هذه المنازل أصبحت لا تتسع لأفرادها، ولأنه في تلك السنوات لم تكن هناك سكنات اجتماعية، فقد قامت السلطات المحلية بمنحهم أراض، قام السكان ببناء بيوت عليها بأموالهم الخاصة دون أدنى مساعدة من السلطات المحلية التي لم تكلف نفسها عناء تسوية الأرضية التي بنيت عليها تلك البيوت، والتي كانت عبارة عن مقر لتعذيب الجزائريين في الفترة الاستعمارية، ثم هدّم هذا المقر بعد الاستقلال، ومنحت الأرضية التي كانت تحويه لتلك العائلات ليشيّدوا بيوتا لهم كحل مؤقت، حيث وعدوا بترحيلهم بعد مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو السنة كحد أقصى، لكن يبدو أن هذا الحل أصبح دائما وليس مؤقتا، فرغم الرسائل والشكاوى وطلبات الترحيل المتكررة التي نادى وندد بها السكان، ورغم الوعود التي تلقوها من كل الرؤساء المتعاقبين سواء للمجالس الشعبية البلدية، أو الولاة، إلا أنه لا حياة لمن تنادي، فكل مسؤول يتقلد زمام الحكم، يقوم بمعاينة أوضاعهم، لكنه بمجرد الخروج من "دار الغولة" ينسى أمر هذه العائلات وما تقاسيه. وما يثير غضب سكان مركز العبور هذا، هو عدم تحصلهم على أدنى حقوقهم كمواطنين بهذا البلد، الذي لم يقدر حسب السكان الذين تحدثت معهم"الأمة العربية" مواطنتهم لأن من بينهم عدد كبير من أرامل وأبناء شهداء، وأبناء مجاهدين، لكنهم بقوا من دون تكفل أو رعاية. أمراض تفتك... ورضّع يواجهون الموت كل ثانية ما زاد من شدّة معاناة عائلات مركز العبور، هو إصابة أغلبية أفرادها بأمراض مزمنة ومتفاوتة الخطورة، لم يسلم منها لا الكبار في السن ولا حتى الأطفال الرّضع، فمعظمهم مصاب بالربو والحساسية والطفح الجلدي ومرض المفاصل الذي أثر بصفة كبيرة على تراجع صحة الأطفال قبل الكبار، فقد اشتكت إحدى السيدات التي قامت "الأمة العربية" بزيارة منزلها من الحالة الصحية المتدهورة لأبنائها بسبب الرطوبة العالية، والجو البارد داخل البيت، خاصة مع انعدام وسائل التدفئة، وهو الأمر الذي يجعل أطفالهم غير قادرين على النوم من شدة ألم مفاصلهم، أما سيدة أخرى فقد ذرفت دموعها حارة، وهي تروي لنا قصة ابنتها الرضيعة التي توفيت بسبب الظروف المعيشية الصعبة، والجو غير الصحي الذي تعيش فيه هذه العائلات، الملوث برائحة الرطوبة، فهم ينامون فوق أرضية متشبعة بالمياه، ويتكئون إلى جدران اكتست لونا أسودا من شدة الرطوبة، وأسقف من لوح لا يمنع تسرب مياه الأمطار إلى الداخل، حيث يتحول المنزل إلى بركة سباحة. والأمر لا يقتصر على هذا المشكل فقط، فأزمات هذه العائلات لا حصر لها، فهي تفتقر لغاز المدينة، ما يحتّم عليها اقتناء قارورات غاز البوتان، وحسب السكان، فإن السعر الذي يشترون به هذه القارورات يصل أحيانا إلى 250 دينار جزائري للقارورة الواحدة، وكون بعض العائلات لا تجد من يقتني لها هذه القارورات، تضطر إلى تأجير حمّالين وتدفع لهم مبلغ 350 دينار، وهذا ما زاد من الأعباء والمصاريف التي أرهقت كاهل أرباب هذه العائلات الفقيرة، كما أن عدم ربط هذه السكنات بشبكة المياه، استدعى جلب هذه المادة من المدارس الابتدائية ودار للحضانة تقع بمحاذاة الحي. وأمام كل هذه المشاكل والمعاناة التي تتخبط فيها هذه العائلات منذ ما يزيد عن ال 14 سنة، تبقى السلطات المحلية "تتفرج"، وتتبع سياسة الأذن الصماء اتجاه أمثال هؤلاء المواطنين المنسيين.