'لي شين لين' كاتبة وفنانة تشكيلية تايوانية تقيم في فرنسا، تحدثنا في هذا اللقاء الذي جمعها ب "الأمة العربية" عن إبداعها الروائي الأخير 'فرموز' الذي عالجت عبره مواضيع حياتية تزخر بعبق الواقع التايواني من خلال الذهاب إلى ماضيها والاستعانة بالذاكرة لاسترجاعه وإحيائه تحت تأثير الحاضر بمفاهيمه وتغييراته، وتأبى 'لين' إلا أن تقص على القارئ الجزائري حكاية 'فرموز' الجزيرة الجميلة التي تترك العين ترى والعقل يحلل... والخيال يحلق باحثا عن شفافية إنسانية رائعة، متمنية أن يتم قريبا طباعة روايتها في الجزائر. الأمة العربية: بداية هل لك أن تحدثينا عن روايتك الأخيرة 'فورموز'؟ الكاتبة والفنانة التشكيلية التايوانية 'لي شين لين': هذه الرواية التصويرية الصادرة باللغة الفرنسية عن دار نشر 'سا' و'لا'، تتحدث عن فتاة صغيرة ولدت في تايوان لها ميول في أن تصبح صينية معتزة بثقافتها الأصلية، وعموما هي تتكلم عن تطور البطلة عبر فترات زمنية مختلفة. ماذا يعني عنوان روايتك : 'فرموز' هو اسم أطلقه البحارة البرتغاليون على جزيرة تايوان، وحسب الروايات التاريخية فالكلمة مشتقة من 'إلهى فرموزا' ومعناه ' كم جميلة الجزيرة'، فالكتاب يروي تجربتي وتجربة بلدي. هل يمكن تصنيف روايتك ضمن الشهادة التاريخية لموطنك والسيرة الذاتية.. ليس هذا بالتحديد، لأن معظم روايتي مستوحاة من تجربتي الشخصية عن المجتمع التايواني، ومن ثم يمكن القول من دون مبالغة بأنها تحمل جانبا من السيرة الذاتية الممزوجة بالنسج الخيالي. هل عانيت من تناقضات النظام التايواني؟ لا، لم أكن أعاني حقا، ففي عام 2009 عندما شاركت مع أصدقائي في مظاهرة بجنيف من أجل الانضمام الرسمي لتايوان في منظمة الصحة العالمية، قام الوفد التايواني بدعوة الشرطة السويسرية لمنعنا. حاليا لم نعد في ظل أنظمة الحكام المستبدين، ولكن بعض أتباعهم يتبعون أساليبهم ويمارسون العقاب من دون أن يلوثون أيديهم القذرة. ماهو الوضع الراهن في تايوان على المستويين السياسي والثقافي على وجه الخصوص؟ من الناحية السياسية، الديكتاتورية اختفت منذ رفع الأحكام العرفية في عام 1987، وهذا نوع من الديمقراطية، لكن من دون اتخاذ أية إجراءات قانونية على الديكتاتوريين الذين اضطهدوا الأبرياء، ومنهم الحزب القومي الصيني 'الكومينتانغ ' بقيادة تشيانغ كاي شيك وابنه الذين حكموا بقبضة من حديد ومازالوا يهيمنون على المشهد السياسي للجزيرة من خلال شبكات النفوذ والثروة، وعلى ما يبدو فالحكومة الحالية (الكومينتانغ) بعيدة جدا عن الناس. ثقافيا، يمكن القول أن الثقافات الأصلية في خطر الزوال شيا فشيأ، أما المشهد الثقافي الصيني 'التايواني' فيتسم ببعض العروض الموجهة للسياح ورجال السياسة. وعموما لقد عرف قطاع الثقافة في شتاء هذه السنة فضيحة كبرى لوزير الثقافة الذي أقيل من منصبه بسب تقديمه لعرض دعائي لمدة ليلتين فاق خمسة ملايين يورو، في حين أن الفنانين التايوانيين لا يمكنهم الحصول على دعم من الدولة، وعلى كل أسقطت الحكومة وزير الثقافة لامتصاص غضب الفنانين والشعب، لكن هذا الفعل يبدو غير كاف لفئة.. وسيكون للشعب حرية التصويت في اختيار ممثليه منتصف جانفي المقبل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. تشعرين بأن روايتك تنساق ضمن الإطار السياسي ؟ الأمر يرتبط بكيفية تعريف كلمة "سياسي"، ويجب أن ننتبه لأنها تضم شقين التهذيب والمدينة، وعلى أساس هذا المعنى يمكن إدراج روايتي ضمن الرؤية السياسية. ففي تايوان البعض يستخدم كلمة "سياسي" للإشارة عن القضايا المعقدة والمريبة، فهم لا يريدون الحديث عن السياسة ويتركون مصيرهم يقرر من قبل السياسيين وغيرهم من الذين يمتلكون السلطة، وهذا مؤسف جدا. أتنوين تحويل روايتك إلى فيلم قصير؟ نعم بكل ترحيب، إذا توفرت لي المساعدات المالية. هل مارست الرقابة الذاتية عند كتابتك للرواية؟ أنا لم أطلب الترخيص من أي أحد عند كتابتي للرواية، لذلك غيرت بعض الأمور وسميتها بغير مسمياتها حتى لا يتم التعرف عليها. ما مدى أهمية الرقابة الذاتية بالنسبة للكاتب المبدع؟ إن الأمر يختلف حسب رؤية كل كاتب، فمؤخرا قرأت إحدى الروايات و شعرت أن الكاتب كان يريد البوح بأشياء كثيرة، لكنه لم يستطع واختار الكتمان وممارسة الرقابة الذاتية، أتمنى لهذا المبدع وأمثاله أن يجدوا طرقا أخرى للحديث والتعبير بكل حرية عما يختلج صدورهم. هل هناك خطوط حمراء لا ينبغي أن يتجاوزها الكاتب التايواني؟ رسميا، لا توجد الآن خطوط حمراء للكاتب التايواني. ما رأيك في ما ينشره بعض رسامي الشرائط من أفكار وصور فاسدة مخلة بالآداب العامة ستنعكس سلبا على النشء الصاعد؟ الأمر يتوقف على كيفية تعريف كلمة "فاسدة"، فمجلات 'الكوميكس' أو 'المانغا' التي تتم طباعتها على وسائط إعلامية غير مكلفة وتتميز بسعر معقول نظرا للنوعية غير المرضية، فمحتواها ليس دائما ردئ لأنها تستقطب القراء وتثير اهتمامهم. ويمكن القول أن الوضع لايمكن ضبطه، لأن الأولياء لا يمكنهم مراقبة كل ما يقرأه أطفالهم، ومع ذلك فهم يستطيعون اقتراح وتقديم بعض الأشرطة المرسومة والروايات ذات النوعية، ومن ثم شيأ فشيأ تتولد لأبنائهم وجهة نظر خاصة بهم ويختارون كتبهم بأنفسهم. حاليا أنت تقيمين بفرنسا، هل وجدت حرية التعبير والنشر مقارنة بموطنك الأصلي؟ نعم، فرنسا هي أكثر انفتاحا على التعبيرات الفنية المختلفة. على سبيل المثال فن الشريط المرسوم، أعتقد أن معظم التايوانيين يرون أن 'المانغا' هو الشكل الوحيد للتعبير عن الحكاية التصويرية، وعموما ليس هناك هامش للتقييد في الفن التاسع أو الكوميكس الأمريكي و الرواية مصورة. أنت فنانة تشكيلية مصممة، ما هي أوجه الاختلاف بين المانغا التايوانية، اليابانية، الكورية، الصينية؟ إن المانغا التايوانية تأثرت كثيرا بالبلدان المجاورة لها، فالتايوانيون، الكوريون والصينيون كلهم يعملون 'المانغا' مثلما لاحظت ذلك عند الشباب الجزائري في المهرجان الدولي للشريط المرسوم، ومع ذلك فإن نخبة منهم تحاول أن تنشأ من لغة الفن التاسع أسلوبا خاصا بها، وفي هذا المجال أسست رفقة مجموعة من الكتاب مجلة 'تايوان كوميكس' لإظهار الموجة الجديدة للشريط المرسوم التايواني. وأعلمك أننا سنشارك في المهرجان الدولي 'أنغولام' في جانفي المقبل بفرنسا، وسيتم دعوة مركز بومبيدو في إطار الحدث الدولي" كوكب المانغا " في أفريل 2012. ماهي نظرتك لسوق المانغا الأسيوية لعام 2011؟ وفقا للمعلومات التي أتيحت لي، هناك اكتفاء في استيراد المانغا والشريط المرسوم الآسيوي في فرنسا، فالمانغا اليابانية أصبحت معروفة و لها مكانتها عند القراء الفرنسيين. وبالنسبة للبلدان الآسيوية الأخرى فينبغي أن تجد خصوصيتها حتى تفرض تواجدها في السوق الفرنسي. في ظنك، هل سوق الشريط المرسوم الأسيوي سيتأثر بتداعيات الأزمة الاقتصادية؟ أعتقد أن الناشرين والصحافيين يمكنهم أن يعطوك معلومات أكثر واقعية، لكنني أشعر أن بعض الناشرين الفرنسيين اختاروا خط افتتاحي منفرد من أجل ضمان استمرارية توزيع الشريط المرسوم في السوق الفرنسي. كيف تنظرين إلى مستقبل هذه السوق؟ أعتقد وبدون غرابة أن المستقبل سيكون للرواية التصويرية المتميزة. مؤخرا قمت بزيارة الجزائر في إطار المهرجان الدولي للشريط المرسوم، كيف وجدتها؟ لقد تعرفت على جزء صغير من العاصمة الجزائرية، وهي مدينة مثيرة للإعجاب. أآمل في العودة قريبا للجزائر، وإنجاز عمل مشترك إذا سنحت الفرصة مع رسامي الأشرطة الجزائريين. كلمة أخيرة لقراء "الأمة العربية": أسعى لأن تطبع روايتي قريبا بالجزائر حتى يتعرف القارئ الجزائري على تايوان.