أعادت موجة الثلوج الكثيفة التي تساقطت مؤخرا بولاية سوق أهراس، إلى الأذهان أهمية عادة "العولة" التي كانت تحضرها العائلات لضمان المواد الغذائية خلال فصل الشتاء، وكشفت عيوب "روح الاتكالية" السائدة اليوم، حسب ما عبّر عنه عديد مواطني هذه الولاية الواقعة بأقصى شرق البلاد. وفي نفس السياق، ثمن هؤلاء المواطنون في أحاديث لوكالة الأنباء الجزائرية الوثبة والهبة التضامنية تجاه المتضررين من هذه الموجة الثلجية، والتي جسدت حقيقة قيم المجتمع الجزائري التضامنية الضاربة في القدم. واعتبر الأستاذ الباحث في التراث الشعبي، جلال خشاب، من جامعة سوق أهراس، أن "العولة" تمثل العيش المتوازن للفرد، حيث يبدأ في تحضيرها في فترة الحصاد وبيع المنتوج، مشيرا إلى أنه نظرا لكون المجتمع السوقهراسي مزارع، فإن نسبة 80 بالمائة من مؤونته المدخرة أو "عولته" من مواد غذائية مصدرها العجائن، على غرار الكسكسي والدقيق والمحمصة والروينة "الطمينة"، إلى جانب ثمار جافة مثل المشمش وعين البقرة والزبيب والرمان. وتسعى العائلات بسوق أهراس منذ القدم إلى مسايرة الفترات المناخية سواء الباردة أوالحارة وعلى وجه الخصوص الباردة، لأنها تتطلب الادخار والتفكير في الإنفاق لذا يعمد أهل المنطقة إلى تحضير أكلات غنية بالدهنيات مثل العصيدة المدهونة بالزبدة والعسل أوالرفيس والغرايف والمحاجب، مما يعطي طاقة حرارية لجسم الإنسان ويمكنه من القيام بنشاطه الفلاحي الصعب. كما يعتمد السوقهراسي منذ القدم على نظرة استشرافية للطقس المجسد في مقولة "لا تأمن الجوإذا صحى وإذا صحى غير حطب"، وهي إشارة واضحة إلى "وجوب الاستعداد" لفصل بارد وشاق وتخصيص زاوية من سكنه لحطب التدفئة كما أشار الباحث. ويتعامل المواطن بسوق أهراس مع الظروف المناخية الصعبة، انطلاقا مما هوموجود ومتوفر ما بين يديه للقيام بتحضير بعض الأطعمة الأخرى من قديد وخليع (لحم مجفف) والاجتهاد في توزيع المؤونة المدخرة، بحسب التقسيم المناخي المتعارف عليه والذي يبدأ من الليالي البيض (أواخر ديسمبر) ثم الليالي السود (أواسط جانفي تقريبا)، إلى جانب التقلبات الجوية المعهودة مثل "قرة حيان" و"أيام الجوارح" والتي تدوم 9 أيام في فصل الشتاء (فيفري) فالمباركيات (أواخر فيفري). وعلى الرغم من أن المادة الأساسية المستعملة في الأكل المحضر عبارة عن عجائن، إلا أن أشكاله تتعدد وتتنوع ما يعطي شيئا من الجاذبية والإقبال على الأكل وهودلالة على مراعاة المجتمع السوقهراسي للجوانب الفنية الجمالية مثل تحضير الكسرة التي تتعدى 5 أنواع، فضلا عن أشكالها ما بين الدائرية ذات العلاقة بالحياة والنجاح والرفاه وكذلك المثلثية ذات الارتباط بالخصب والحياة الهنيئة. كما يجد التمر بأنواعه مثل الغرس سبيلا إلى مكونات "العولة" التي "يعول" عليها في توفير الغذاء طيلة فترة الشتاء الصعبة عبر مجموع أرياف ومداشر هذه الولاية، على غرار منطقة عين الزانة وأولاد ادريس وعديد بلديات الشريط الحدودي التي كستها الثلوج.