عودة الصراع الطاحن بين "التقويميين" وأنصار بلخادم مع المحليات ما حدث، يوم السبت الماضي، عندما حاول من يسمون أنفسهم "التقويميون" اقتحام المقر المركزي لحزب جبهة التحرير بالعاصمة، لا يعدو أن يكون حسب المناصرين لبلخادم "تهويلا" للوضع، خاصة وبعض وسائل الإعلام حاولت بعناوينها: "المركزيون" يَتَحَدُّونَ بلخادم... إلخ" اثارة البلبلة، وقالت إن مصالح الأمن أعلنت حالة طوارئ بعدما جندت نحو 4 آلاف شرطي. وفي راي المؤيدين لبلخادم فان وسائل الاعلام تلك أرادت بذلك أن تعيد سيناريو قديم، وتُذَكِّرَ الرّأي العام بالصراع الذي كان قائما بين "المركزيين" و"المحافظين" أيام الأمين العام الأسبق الراحل عبد الحميد مهري، يأخذها الفضول في ذلك لأن تعرف من الذي سيصدر الأحكام ومن سيحكم عليه، وفي أي زمن؟ ونسيت أن الجبهة في سباق سياسي دائم، واعتاد أبناءه الخروج من موقف نقدي إلى موقف دفاعي، وكانوا في كل صراع يخرجون منسجمين، مثلما حدث في المؤتمر الثامن الجامع، هكذا يقول اتباع الامين العام المتفائلون. يقول المتعاطفون مع الحزب العتيد إن الحديث عن جبهة التحرير الوطني لا كحزب سياسي بل كصفحة من صفحات التاريخ الجزائري، تستدعي تدخل أبنائها الحقيقيين للدفاع عنها بطريقة أو بأخرى، ولا حجة أو سبب قادرين على منع أبناء جبهة التحرير الوطني من المطالبة بحقهم النضالي، وهم أولى من الدخلاء من حمايتها والوقوف في وجه من يريدون تدمير روحها، ويناورون من أجل تحييدها عن مسارها المبدئي المتمثل في الحفاظ على مبادئ أول نوفمبر 54، إن ما يحدث داخل الحزب برأيهم منذ المؤتمر التاسع إلى اليوم، يحتم على كل غيور على الحزب، حتى لوكان مناضلا بسيطا، أن ينفض عنه الغبار عنه ويحمي رصيد الحزب التاريخي والنضالي، لأن الوضع اليوم أكثر خطورة من ذي قبل، بحيث أصبح يهدد استقرار الحزب ومستقبله، ويسيء الى سمعته في المحافل الدولية، وأن هذه الشروخ التي ظهرت تكاد تهز كيانه وتقضي على آماله الواسعة، وهي فرصة لأعداء الحزب لكي تضعف قوته وتشتت صفوفه، وهي التي ما فتئت تنادي وتدعوإلى وضعه في "المتحف"، وفي كل مرة ينعتوه بأقبح النعوت ويصفون أبناءه بالانتهازيين والوصوليين، ويوجهون السيوف إلى صدورهم أو تقزيمهم. ولو أن هذا المطلب ليس جديدا على الحزب، فالصراع داخل حزب جبهة التحرير الوطني سببه من وجهة نظر المتتبعين لما يحدث داخله، هو أن هناك فئة آمنت ب "التغيير" من أجل تفعيل النشاط السياسي داخل الحزب وخلق ديناميكية، ومن أجل التعاطي إيجابيا مع المتغيرات المفروضة على الحزب، في خضم هذا الحراك السياسي والاجتماعي الذي يشهده العالم، غير أن البعض فسره وفق نظرة ضيقة وقال إن هدف التغيير هو عقاب، واعتبره البعض الآخر إبعادا، كما أن دعوة الحزب إلى التفتح السياسي وحاجته إلى المجتمع المدني، سهل من اندساس جماعة من الدخلاء ومن ذوي الأطماع في صفوفه، وأصبح أصحاب "الشكارة" وهم الانتهازيون الحقيقيون، هم المناضلون، إذ لا يصدر قرار إلى بمشورتهم والأخذ بآرائهم، فيما كان مصير أبنائه الحقيقيين النضال في الشارع وعبر قنوات التواصل الاجتماعي "الفايس بوك"، ويتابعون عن بعد ما يحدث داخل الحزب، لا لشيء.. إلا لأن هياكل الحزب بعضها مغلق وأخرى مجمدة، وأصبح هؤلاء هم الآمرين فيها والناهين، وهو ما أثار حفيظة البعض الذين نددوا بمثل هذه التصرفات التي تسيء للحزب، رافعين شعارات التنديد معبرين عن رفضهم ذهنية الخضوع تحت غطاء الانضباط التام"، وعدم اعتماد الحوار كأسلوب حضاري زاد من توسيع الهُوَّةُ بين المتخاصمين "الموالون والمعادون لبلخادم"، وهذا راجع لفقدان الثقة، رغم التفاوضات التي جرت بين القيادة السياسية و"التقويميّين" الأشهر الماضية والتي باءت كلها بالفشل. القاعدة النضالية للحزب كانت متناقضة في مواقفها، ففيما رأى البعض أن التقويميون أصحاب حق، وصفهم البعض ب "المشوشين" على الحزب، كل ووجهة نظره ورؤيته لمفهوم النضال، في حين يوجد فريق ثالث وهم "الحياديون" الذين يرون أن هناك أطرافا خارج الحزب وراء كل ما يحدث وهم "الدخلاء" الذين اندسوا في صفوفه من أجل التشويش عليه وهلاكه، وعرقلته عن التقدم، وهي خطة لا تعدوأن تكون انتقاما منه برايهم، بعد الفوز الساحق في الإنتخابات التشريعية التي جرت في ماي 2012، ويستعد لدخول معترك الإنتخابات المحلية القادمة التي تجعل الحزب امام خيارين لا ثالث لهما؛ إما مواصلة نصره في المحليات ليؤكد جدارته بفوزه بالتشريعيات، وإما يتشتت وعاؤه الانتخابي على مختلف الاحزاب.. وساعتها سيوقّع شهادة وفاته بنفسه.