يحلق بنا مدير المكتبة الوطنية الجزائرية ''عز الدين ميهوبي'' في هذا اللقاء الحصري الذي خص به يومية "الأمة العربية"، في سماء الثقافة الجزائرية من خلال بعض مؤسساتها الثقافية، داعيا إلى ضرورة التخلي عن الفكر الحزبي النقابي الذي يضيق الخناق على المثقف، وواجب التكفل بالأسماء الأدبية الواعدة، خاصة من هم في الداخل، لأنهم يشكلون قوة الجزائر الأدبية. ولأن الكتابة عند أديبنا 'ميهوبي' مسؤولية تاريخية تجاه الذات والآخر، بعيدة كل البعد عن شاكلة ما فعله الرومانسيون في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر حينما لاذوا بأحضان قصص وأساطير القرون الوسطى هروبا من واقعهم المر، لأن صاحب 'أسفار الملائكة' لا يجعل من يوتيوبيا الماضي شرنقة للصمت بل بوابة ووميض لتصحيح الحاضر وإستشراف المستقبل، ومن ثم فهو يرى بشأن امتداد التيار السلفي في البلاد العربية بأهمية العمل على إشاعة ثقافة الحوار بالوسائل المتحضّرة لتقليم أظافر الفكر المتشدد... هذا الأفكار وأخرى ستكتشفونها عبر ثنايا الحوار. مدير المكتبة الوطنية بالجزائر "عز الدين ميهوبي": أعتقد أن هناك معايير عديدة لمعرفة ما إذا كانت النخبة في الجزائر فاعلة ومؤثرة في تطوّر المجتمع والدولة، أو أنّ حضورها يبقى محدودا إن لم يكن محتشما، أو غير ذي قيمة. فإذا نظرنا إلى واقع التعليم العالي، يمكن القول إنّ جهود الدولة في هذا المجال كبيرة، وأنّ الجزائر التي لم تكن تتوفر سوى على خمسمائة طالب جامعي غداة الاستقلال، نجد اليوم مليون طالب في مختلف الجامعات والمعاهد والمدارس العليا، وهذا من شأنه أن يعطينا مؤشرا عن الاهتمام بالمعرفة والتكوين العالي، هذا يضاف إلى مئات الآلاف من خريجي الجامعات في الداخل والخارج، الذي يقودون حركة التنمية في البلاد.. وأنا لا أتحدث من زاوية النوعية، ولكن لا يمكنني أن أغمط حق الكفاءات والخبرات التي أخذت على عاتقها التأسيس لمؤسسات الدولة المستقلة. أما إذا نظرنا إلى الانتلجنسيا والعقل المفكر والمدبر، فالمسألة تؤخذ من زاوية القيمة المضافة التي تقدمها المؤسسات المنتجة للمعرفة، والأفراد الذين يحققون التراكم الفكري والفني والإبداعي بأدواتهم ورؤاهم التي لا تدخل ضمن أي مخطط. وهنا يمكنني أن أقول من منطلق ممارستي للفعل الثقافي سواء من خلال اتحاد الكتاب الجزائريين، أو نشاطي في الساحة الثقافية والفنية (مسرح وسينما وأدب...)، فإنّ الجزائر تتوفر على قامات عالمية في الأدب، والسينما خاصة، وهناك كفاءات تبشّر بحضور واسع إنْ عربيا أو عالميا، وهي بحاجة إلى دعم ومؤازرة، فأغلبها في مدن الداخل، وأبان عن مؤهلات كبيرة، وأنا أثق فيها، لأنها نخب نظيفة غير ملوّثة، كما هو الشأن بالنسبة لنخب المدن الكبرى. الأمر مرتبط بمهام المكتبة الوطنية، وليس هناك أيّ تعطيل لا فوقي ولا تحتي (..)، لأن وظيفة هذه المؤسسة هو الكتاب والمخطوط والوثيقة بكل أبعادها، من حفظ ومعالجة وترميم، وكذا الإيداع القانوني الذي يعدّ من صلاحيات المكتبة دون غيرها، إذ أنّها تعمل على وضع البيليوغرافيا الوطنية سنويا، وهو ما تقوم به حاليا بعد سنوات من التوقف (..) أمّا النشاط الثقافي، فيمكن أن يكون، على أن يرتبط بمهام المكتبة الوطنية. وفيما يتعلّق بالنشاط الثقافي، ندوات فكرية وفلسفية ومقاهي أدبية وأمسيات شعرية، فهناك مؤسسات تكفل هذا، ولكم أن تسألوها إن لم تقم بهذا.. ولا تعتقدوا أنّ في الأمر إنّ.. وأنتم تعرفون كيف كان النشاط في اتحاد الكتاب عندما كنت على رأسه.. لأنّ وظيفته إنعاش الحياة الثقافية، أمّا المكتبة فلها قانون تحتكم إليه في مهامها ووظائفها. موضوع الرقمنة حيويّ بالنسبة للمكتبة الوطنية، وهناك لجنة مختصة تعمل على التكفل بإنجاز هذا الرهان الكبير، الذي يمثل واجهة المؤسسة الثقافية العصرية، المرتبطة بالعالم والمعرفة. صحيح، هناك حاجة ماسة إلى التكفل بهذه الشريحة الهامة، وهي تطرح باستمرار انشغالها المتمثل في تزويد جناحها في المكتبة الوطنية برصيد جديد، وعلمت أنّ وزارة التضامن وبعض الهيئات تعمل على إنجاز كتب سمعية وأخرى بالبراي تتعلق بمنتخبات من الأعمال الأدبية الجزائرية لكبار الكتاب. كما أنّّني اتفقت مع المدير العام للإذاعة الوطنية على أن يزوّد مكتبتنا ببرامج ثقافية وتاريخية تتوفر عليها الإذاعة الجزائرية، وبطلب من المشرفين على الجناح الخاص بالمكفوفين. اقتراحي أن تؤدّي وظيفتها، وألاّ ينظر إليها كمكتبة للمطالعة العمومية إنما كحافظ للذاكرة، وكفضاء للباحثين والأكاديميين. الاتحاد ليس المكتبة، ولا مجال للمقارنة بينهما. أنا أرى أنّ الاتحاد بحاجة إلى جهد أكبر لكسب ثقة المنتسبين إليه، وأن تكون جهوده موجهة للتكفل بالأسماء الأدبية الواعدة، خاصة من هم في الداخل، لأنهم يشكلون قوة الجزائر الأدبية مستقبلا.. كما أن إرساء تقاليد التعامل وفق قواعد ديمقراطية بعيدا عن الحسابات الضيقة التي حبسته طويلا في أنفاق صراعات، الرابح فيها يبقى خاسرا. أغلب التنظيمات الثقافية، للأسف يعرف صراعات غير ثقافية، إذ نرى كلّ شيء إلاّ البعد الفكري والإبداعي في هذه النزاعات التي تجعل المواطن العادي يقول "حتى الكتّاب يتصارعون من أجل الكرسي ومنافعه (..) وشخصيا، عندما أذكر ما حدث في خريف 2005 في بيت اتحاد الكتّاب الجزائريين، أتأسف، لأن الخاسر في النهاية كان الاتحاد، وضياع فرص كبيرة لحضوره في مناسبات ثقافية كبيرة ك "الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007" مثلا.. وإذا كان لابدّ من نصيحة لمن يؤمنون بدور الكاتب في المجتمع، فعليه أن يتحلّي بقيمة التسامح، وعدم التفكير بمنطق الحزب والنقابة. أترك للمهنيين بالدرجة الأولى إبداء وجهة نظرهم في القانون، وكلّ ما أتمنّاه أن تأخذ المهنية حيّزا أوسع في المشهد الإعلامي الوطني. الشعر ليس مقالات نكتبها تعبيرا عن موقف من مسألة سياسية أو ثقافية.. إنّما هو حالات غير مرتبطة بظرف، أو ردة فعل تجاه وضع ما.. القصيدة تأتي هكذا، قد يأخذ فيها الربيع مساحة، وقد تنزاح في مجالات أخرى وتهويمات ذاتية.. وهذا لا يعني أنّ بعض الشعر يتأثر بالمشهد السياسي. أما ديواني "مكابدات الرجل الذي مات واقفا" فكتبت بعض نصوصه قبل عشر سنوات. قال المفكر الكبير مالك بن نبي "عندما تغيب الفكرة ينمو الصنم".. وعندما تفقد الدولة جوهرها وتبرز فيها مظاهر الفساد.. يمكن للفكر المتطرف وغيره أن ينتشر ويطرح نفسه بديلا. أعتقد أنّ إشاعة ثقافة الحوار بالوسائل المتحضّرة من شأنه أن يقلّم أظافر الفكر المتشدد، ويقلص من حجم الخوف. هذه الرواية التي لم تجد طريقها بعد إلى النشر، ستكون فيها مفاجآت كبيرة، لأنها تتضمن قراءة للتاريخ والتراث.. والمستقبل، ففيها كثير من المعلومات التي تم توظيفها بصورة محسوبة فنيا.. وتاريخيا. نعم.. مسؤولية تجاه الذات والآخر.. والتاريخ. أعتقد أن الاعتراف لا يأتي بالتقسيط، ولا يقبل التجزئة، لأن الاستعمار واحد لا يتجزأ والجريمة واحدة لا تقبل القسمة على اثنين. اللغة في عالم يتسم بالتكتلات، أصبحت عنصرا حاسما.. وكتابي "نهاية اللغات" الذي يتناول الحروب اللغوية في العالم، فيه من التفاصيل ما يجعل الناس يدركون حجم الحروب الباردة في الفضاء الثقافي واللغوي. الفكرة رائدة، وبحاجة إلى تكفّل واسع من الخبراء، لأنّها تهدف إلى حماية إرث واسع، قديمه وحديثه. ولأنّ المشروع تبنته جامعة الدول العربية، فإنّ الدفع به يقتضي جهدا علميا وإعلاميا. أحيل القارئ الكريم على قصيدة كتبتها في الربيع الماضي بعنوان "فراشة بيضاء لربيع أسود". وهذه بعض الأبيات منها: أتوضأ حين الليل بضوء النجم القطبيّ وأرقص في أعراس الطينْ وأشكل من أحزان العشب جنائز أقوام وقبائل في المنفى وأجيئ لأقرأ فاتحة التأبينْ
يا راهبة العينين أنا الرّجل الأبهى ومقامك في الملإ الأشهى من ثقب الحرف أطلُّ وأنصتُ للعصفور الخارج من كلمات الشمسْ هل يكفي العاشقَ حين يحبّ رحيقُ الهمسْ اليومُ حديث الأمسْ
يا جارحة العينين لماذا تجترحين من العرّاف حكايا الغيب وتكتحلين بخُطبة شيخ القرية في المحرابْ في المقهى النادل يهمس في أذنيّ الراهب يحترف الإرهابْ ما أوسخ هذا العالم ما أبشع تلفازا يتقيأ كل مساء أخبار الموت وخلف السور نساءٌ يرقصن على جسدي وعساكرهم في الشرفة يفترشون الأوسمة المحشوّة بالتاريخ المثقل بالأعرابْ ما الفرحة.. ما الأنخابُ.. وما الألقابْ؟ لا شيء يفيدك حين تموت.. وليست تنفعك الأنسابْ.
يا دامية العينين دمي المحمول على كفيكِ ينام على كتفيكِ فتنغلق الأبوابْ الصمت فراغ في المنفى.. والموسم يخرج من تجويف العمر.. وذبح الوحي.. وعولمة الجلبابْ
قال الراهب في خُلوته: الحكمة تخرج من طين الشّهوة والكلماتُ رحيق الدهشة والموتُ رحيل في النسيانْ وأنتَ الظل النازف في لغة العطر المسكوب على وجع العيدانْ الليل نهار اللصْ والحبر رمادُ النصْ والشمس إذا انتحرتْ يتقطّر منها الضوءُ.. وتنتفضُ الأكفانْ المقبرةُ السوداءُ ترتّل أدعية الأمواتِ وأمريكا تبحث عن قاتلها المفتون بجنّته.. في كابُلَ.. في بغدادَ.. وفي بيروت.. وفي طهرانْ الحرب دمٌ يتوهج في ملكوت الأثم ويزهو في عرش الشيطانْ
يوسف يسأل ذئبا في البرية: أين قميصي؟ قال الذئب: قميصُك يلبسه عثمانْ ودمي أهدره يوسفُ في الميدانْ في الخيمة صلّى شيخُ القرية بالتوراةِ وأفتى بالإنجيلِ وأقسم بالقرآنْ ما زلتُ بريئا يا يوسف.. لستُ سليل الإثم.. فمن الذئب إذنْ؟ الذئبُ هو الانسانْ. دليلة قدور