أجمع نخبة من الأفارقة في حوار خصوا به "الأمة العربية" خلال تواجدهم بالجزائر في إطار التحضيرات للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني، المزمع عقده في شهر جويلية، أن التراث الإفريقي يزخر بكبريات الشواهد التاريخية والمادية الحيّة التي تكشف لا محال عمّا وصل إليه العلماء الأفارقة المسلمون في مجال الإسهام الحضاري في الثقافة العربية عبر مختلف العصور التاريخية، ولكن ما تأسفوا له هو أن الكثير من التحف والمباني الأثرية والمخطوطات الإفريقية تنتظر الجمع والتسجيل والحفظ في غياب العناية الكافية من طرف الجهات الرسمية. وعليه دعا هؤلاء إلى ضرورة السعي لجمع وحماية التراث الإفريقي من التسرب والنهب المنظم والموجه نحو الدول الأوروبية. صوادوقو تانلي (مديرة عامة لمتحف بوركينافاسو):"غياب الإمكانيات المادية جعل موروثنا الثقافي عرضة للتهريب المستمر" صرّحت صوادوقو تانلي، مديرة عامة لمتحف بوركينافاسو، أن التحف الأثرية في بوركينافاسو تتعرض للنهب والاستغلال اللاّ مشروع، مستدلة في ذلك بما حدث مؤخرا في فرنسا، حيث قامت الجمارك الفرنسية على مستوى مطارها بتوقيف جماعة فرنسية قامت بتهريب 350 قطعة أثرية منسوبة لمختلف الأقليات الموجودة ببوركينافاسو، وشملت هذه التحف المهربة الأقنعة، التماثيل، القلائد وملابس الحكام القديمة. وأرجعت ذات المتحدثة عمليات التهريب المستمرة لكون التحف الإفريقية الإثنية خاصة الأقعنة منها تستقطب اهتمام الأوروبيين فيقومون بشرائها من القرى بأسعار زاهدة، وهذا الأمر -كما ذكرت- يساهم في طمس جزء من تراثهم وهويتهم. وفي هذا الشأن قالت مديرة المتحف إن دولتهم تسعى لوضع ميكانيزمات خاصة لجمع تراثها، والحد من تواصل تهريب التحف، ولعل عقد الاتفاقيات مع الدول الأوروبية تعتبرها خطوة إيجابية لحماية الآثار من النهب والاستغلال اللاّمشروع من قبل دول أجنبية. محمد حسين فقيه، متخصص في الدراسات الإنسانية (السودان):"غياب الوعي لدى الفرد السوداني بأهمية التراث الثقافي وراء اندثاره" من جهته، عبّر محمد حسين الفقيه، متخصص في الدراسات الإنسانية بالسودان، عن أسفه في كون الاتفاقيات الثقافية المبرمة بين الدول تقتصر في حدود تبادل المعلومات فقط، دون تفعيل أكثر لمجال التعاون لحماية وحفظ التراث السوداني. وأردف "تتواصل عمليات السرقة للتراث لغياب وعي الفرد السوداني بأهمية حفظ تراث الثقافة الشعبية بما تحويه من موروث مادي ولامادي خاصة مع الانفتاح الموجود بين مختلف القبائل السودانية". وبشأن عمليات القرصنة للموسيقى السودانية في أمريكا، فاعتبرها مفخرة كونها ساهمت في تكوين الوجدان الأمريكي، أما فيما يخص القناع الإفريقي المهرب فقال إنه بفضل التهريب أصبح يحظى بقيمة أفضل مما كان عليه في السابق، ومن ثمّ دعا إلى ضرورة توحيد العمل لاستعادة الكنوز الثقافية التي نهبت من إفريقيا. مامادي كوبا كامرا (مدير وطني مساعد لحماية التراث الثقافي التاريخي بوزارة الثقافة الغينية): "غياب استراتيجية سياسية دعمت التهريب المتواصل للتحف الأثرية" وكشف مامادي كوبا كامرا، مدير وطني مساعد لحماية التراث الثقافي التاريخي على مستوى وزارة الثقافة الغينية، أن المواقع الأثرية لا تتعرض للنهب بخلاف المعروضات والتحف القديمة التي تشهد سرقات مستمرة، ورد ذلك للأوضاع السياسية التي تمر بها غينيا، والتي أدت بدورها لغياب المؤسسات التي تتولى حماية التراث الثقافي داخل الوطن وخاصة عبر الحدود، بالإضافة إلى نقص الإرادة السياسية والتشريعات القانونية التي بدورها قد تساهم في دفع عجلة حماية الإرث الغيني. وأضاف كامرا أن اتفاقيات التعاون في هذا المجال قليلة، والدولة الوحيدة التي تربطهم الشراكة بها في مجال البحث في الآثار هي دولة بولونيا وذلك منذ سنة 1960، ومن ثمارها اكتشاف مواقع أثرية جديدة ستحظى -كما ذكر-بإدراجها على سجل المواقع العالمية، ومنها فرينقا، بريدو أمانا. وإثر هذه الوضعية الكارثية -كما سماها ذات المتحدث- دعا إلى ضرورة تكفل الدولة الغينية بحماية التراث والكنوز الثقافية التي نهبت من إفريقيا والعمل على استرجاعها من خلال وضع ميزانية معتبرة، وسنّ القوانين، مع إحداث مؤسسات خاصة لمراقبة المواقع والتحف الأثرية وذلك حتى يتسنى إعادة إحياء الذاكرة الوطنية والإثنية. وعليه يبقى التراث الإفريقي عرضة للضياع والنهب المطلق العنان، في ظل غياب الحملات العالمية التي تدعمها اليونسكو لإعادة الممتلكات الثقافية وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة قرصنة وتهريب الآثار.