ازدياد تكاليف المعيشة وارتفاع متطلبات الأعراس الجزائرية في السنوات الأخيرة، دفع بالعديد من الأسر الجزائرية إلى التوجه إلى أشكال الأعراس الجماعية، خاصة بالنسبة لأفراد الأسرة الواحدة، فما تعانيه الأسر الجزائرية من تزامن العطلة الصيفية ودخول شهر رمضان وبداية الدخول الاجتماعي ومصاريف العيد، أنهك خزينة الأسر وجيوب الأفراد على حد سواء. تختلف العادات في إقامة الأعراس والأفراح من منطقة إلى أخرى في العديد من التفاصيل، رغم أنها تتفق في العموميات، حيث تختزن كل منطقة مجموعة من العادات التي تميز الاحتفال بالعرس أو تحيي الأفراح التي تحرص العائلات الجزائرية على عدم تجاوزها أو نسيانها. ولكن مع ارتفاع تكاليف الالتزام بهذه العادات التي من شأنها أن تعطي للعرس نكهة خاصة، دفع بالعديد من الأسر الجزائرية إلى الأعراس الجماعية، في ظل وجود قصور كبير في تلبية مصاريف أزيد من عرس في فترات متقاربة. السيدة "ربيعة" والتي كشفت لنا بأنها قد أقامت زفاف ابنيها "الحسن" و"الحسين" هذا السنة، مجتهدة في عدم دخول باب التبذير، فكلا الوالدين قررا موعد العرس في فترات متقاربة، أحدهما قبل شهر رمضان الكريم، بينما فضل ابني الآخر أن يحيي حفل زفافه بعد الشهر الكريم، لتقول: "إلا أنني أقنعتهما بضرورة تنظيم حفل زفاف في يوم واحد، وهذا من أجل تقليل التكاليف بقدر الإمكان وفرحة أعم"، كاشفة أن هذا سيقلل ملايين السنتيمات من المصاريف، بالخصوص فيما يتعلق بتحضير الوليمة، الحلويات، المشروبات، وحتى مصاريف قاعة الحفلات والمصورين. كما أن هذا التصرف سيوفر مبالغ مالية محترمة لهم قد يحتاجوها لأيام بعد الزفاف، مؤكدة أنه قرار سيخفف عن أفراد الأسرة أتعابا وأعمالا كبيرة لأيام وليال. أما السيدة "أمينة" والتي كشفت لنا بأن أحد أقاربها ببرج الكيفان أحي عرسا جماعيا، حيث تنظمت الأسرة عرس ابنيها وبنتهم، حيث ضمت "تصديرة" العرس زوجتي الأخوين رفقة أخت العريسين، وبذلك قللت الأسرة تكاليف كبيرة عن عاتقها. كما لاقى ذلك الفرح استحسان الجيران وحضره جمع غفير من المدعوين. وإذا كانت بعض أعراس الزفاف الخاصة بالجزائريين غدت جماعية، فإن أفراح الختان أضحت هي الأخرى أيضا جماعية في بعض الأسر، هذا ما كشفه لنا السيد "فاروق"، وهو مغترب بفرنسا، حيث كشف لنا بأنه كان بصدد تحضير حفل ختان ابنه قبيل شهر رمضان، إلا أن والدته أقنعته بأن يجمع بين حفلي ختان حفيديها مع مطلع شهر رمضان ابنه وابن أخيه القاطن بالجزائر وهذا تخفيفا للمصاريف وتعظيما لبهجة الأسرة وأفراحها في هذا الشهر الكريم، ولذلك استحسن الفكرة وأرجأ عودة أسرته لأوروبا إلى ما بعد تمضية بضعة أيام من رمضان بالجزائر وسط الأسرة الكبيرة وإحياء حفل الختان الجامع بين ابني العمين. كما أن الآنسة "مريم" والتي تحصلت مؤخرا على شهادة البكالويا، فإنها أكدت لنا هي الأخرى أنها قد حضّرت حفلا مشتركا بينها وبين أختها الحاصلة على دبلوم شهادة مهندسة في الإعلام الآلي بمناسبة نجاحهما في الدراسة، حيث أن والدتها أقنعتهما بضرورة انتظار لغاية صدور نتائج البكالوريا، وقالت مريم "والحمد لله أني وجدت اسمي على لائحة الفائزين، لنقيم أنا وأختي حفلا مشتركا". ومن جانبه، أكد لنا الشيخ عبد القادر حموية، إمام مسجد نادي الإصلاح ببلوزداد، بأن ظاهرة الأفراح الجماعية عموما والأعراس، الجماعية على وجه التحديد، من الناحية الشرعية لا إشكال في ذلك، كاشفا أن الأصل في هذه الأفراح هي أنها فردية. ولكن باعتبار أن الضيوف المعنيين بالأفراح الجماعية في الغالب يكونون مشتركين، فإنه في ذلك تخفيف عليهم في الأعباء، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما خُيّر بين أمرين، إلا اختار أيسرهما.. فإذا كان يسيرا على الأسرة العرس الفردي، فلها ذلك. وإذا كانت الأعراس الجماعية أيسر لها، فباستطاعتها ذلك. كما كشف لنا السيخ عبد القادر إن اختصار الأفراح في يوم واحد، سينعكس على الجانب المادي إيجابيا، خاصة من ناحية اقتصاد الأموال، كما أنه سيدخر الطاقات والجهود وأتعابا للأسر. ومن جهته، أكد لنا الدكتور عروس زوبير، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن الأعراس الجماعية كظاهرة تمتاز بها بعض المناطق من الوطن، وعلى وجه التحديد سكان غرداية والإخوة الإباضيين، حيث يقيمونه بشكل جماعي، ما يدل على الروح التضامن بين مكونات المجتمع هناك، كاشفا أن هذه الأفراح الجماعية والتي تحيا بدافع من بعض الأطراف، قد استغلت من بعض الأحزاب السياسية والجمعيات بقصد مصالح خاصة بتجنيد المجتمع لمصالح الأطراف المتبنية للفكرة والدافعة لها. كما أكد إن إقبال الأسر الجزائرية بشكل عمومي على هذا السلوك، دليل على أن الأسرة الجزائرية أصبحت غير قادرة ماديا على أفراحها بسبب التكاليف المعيشية الصعبة، وأكد ذات الأستاذ أن لو خرجت هذه الظاهرة التي جاءت بقصد الحاجة من الاستغلال السياسي، فإن هذا يدعو المجتمع إلى الانسجامية، خاصة مع انكسار المجتمع في السنوات الأخيرة بقصد العودة للحياة الجماعية وأصول المجتمع الجيدة، مؤكدا على أنها ظاهرة صحية للملمة وعودة للتضامن بين الأفراد الوطن الواحد.