المتجول في مختلف بلديات وأحياء وشوارع العاصمة في رمضان يجد العديد من المتشردين المنتشرين ملقون هنا وهناك خاصة في ساعات الصباح الأولى أين تكون حركة المرور ساكنة والهدوء نسبيا ما يسمح لهم بمواصلة النوم، "الأمة العربية" إلتقت بعضهم وأجرت معهم دردشة خفيفة حول رمضان وكيفية قضائهم إياه، كيف وأين يأكلون؟، ولماذا لا يتوجهون إلى ديار الرحمة؟ كان اللقاء بهم عن طريق الصدفة على الساعة التاسعة صباحا في حي من أحياء العاصمة أين رفضوا أن نذكره أو نشير إليه، حتى أنهم رفضوا أن نصورهم خوفا من أن تأتي مصالح البلدية وتطردهم من المكان، في البدء فكرنا أنها عائلة طردت من منزلها أو ما شابه ولكن اتضح أنهم مجموعة من المتشردين فضلوا زن يجتمعوا سوية في الأكل والنوم في جو عائلي حميم، حيث افترشوا الأرض بعدد من الأفرشة والزرابي والأغطية، وأخبرونا "نحن هنا عائلة واحدة، نخاف على بعضنا ونعتني بأنفسنا، وفي جولتنا هناك تعرفنا على عائلة السيدة "فاطمة" وهي إمراة في الخمسين مع إبنيها الصغيرين 11 و 10 سنوات، هي أصلا قدمت من مدينة "تڤرت" بولاية "ورڤلة"، حيث أخبرتنا أن زوجها توفي وهي أم ل11 طفلا وبعد وفاته اضطرتها الظروف القاسية إلى التنقل نحو العاصمة مع ابنائها، وهي الآن مع الإبنين الصغيرين بينما تركها الكبار وهم موزعين على مختلف بلديات العاصمة، عندما سألناها إن كانت تراهم قالت يزورونني أحيانا، "فاطمة" عاشت وأبناءها فترة في ديار الرحمة ولكن ابناءها ضاقوا ذرعا بالمكان وهربوا مما اضطرها إلى الخروج هي الأخرى، "أحسوا أنهم في سجن كبير، غير مسموح فيه لا الخروج ولا الدخول، الظروف كارثية والعيش في الخارج أرحم"، أما "كريمة" فهي شابة لا تتجاوز الرابعة والعشرين وجدناها تشاركهم المكان وهي من"خميس مليانة" لم تخف علينا في حديثنا معها أن زوجة والدها هي التي تسببت في خروجها من المنزل، فتحت لنا قلبها لتخبرنا عن الظروف التي رمتها لأحضان الشوارع التي لا ترحم أحدا، فقالت " ماتت أمي وتزوج أبي من إمرأة أخرى، "مرّرت" لي حياتي وعندما اشتكيت لأبي طردني وقال إن لم يعجبك الحال أخرجي من المنزل، تشردت بين منازل العائلة ولكن في الأخير لا أحد قبل بي فما كان إلا أن خرجت واتجهت إلى العاصمة"، عندما سألناها إن كانت تبيت مع الجماعة وهي فتاة أخبرتنا أنها تبقى معهم ولكن عندما يجيئ وقت النوم تبيت أمام مركز للشرطة حتى يحمونها من أي اعتداء، كما اخبرتنا أيضا بأنها في قرارة نفسها تفضل ديار الرحمة ولكنهم رفضوها "مرة حملونا في الشاحنة وأخذونا إلى هناك ولكن بعد يومين طردوني وقالوا إن لا مكان عندهم"، بالجوار كان هناك "سمير" شاب في الربيع الواحد والعشرين من عمره، كان نائما ولكنه عندما سمع المناقشة أفاق، "سمير" بدوره من قسنطينة، قصته تشبه قصة "كريمة" حيث أن أبوه تزوج إمرأة أخرى وإثر خلاف بسيط طرده من المنزل، "أحمد" كان أكبرهم، رجل في الستين لا يبدو على مظهره التشرد، لباس نظيف ساعة باليد، أخبرنا أنه كان يملك منزلا وأبناء ولكن زوجته خلعته وخرج من المنزل بحكم قانون العائلة الجديد وهو متقاعد" أنا متشرد جديد، كنت أعيش حياة عادية ولكن زوجتي استقوت عندما كبر ابنائها، في الحقيقة استطيع الذهاب إلى بيت أبنائي ولكنني لا أحب أن أثقل عليهم حتى أن إبني طبيب، لهذا لا أريدكم أن تصورونا أو تعطوا أي معلومات عنا، فأنا لا أريد إحراج أبنائي" ونحن نتكلم مع الجماعة لاحظنا وجود أواني وعلب للطعام وعندما سألناهم، قالوا إنه الأكل الذي يبعث به سكان الحي إليهم عند الإفطار والسحور، أما عن مطاعم الرحمة فقد أجابوا أنهم لا يقصدونها وكل ما يريدونه متوفر لهم مع ما يرسله إليهم السكان، فهم مرتاحون هنا رغم وجود بعض المضايقات من الشباب. كان الكلام معهم مقتضبا ففي حين رحب بنا بعضهم أبدى الآخرون تضايقا وانزعاجا خاصة عمي "أحمد" الذي قال إن الصحافة تأتي إلى المشرد فيظن أنها ستحل له مشاكله بينما هي تزيد الطين بلة حيث يقرأ المسؤولون المقال فيتم طردهم من مكانهم أوحملهم إلى دار الرحمة التي تعد بالنسبة للمشردين شبحا يطاردهم وهم لا يتقبلون العيش فيها، لأنها حسبهم لا تزيد عن كونها سجنا كبيرا. وعندما سألناهم ما الذي يريدونه من ديار الرحمة أجابت "فاطمة":" نريد أن يفتحوها لنا للمبيت والأكل ولكن يتركوا لنا فرصة الخروج، العمل"، العمل الذي لا يتعدى ربما التسول. من حديثنا المصغر مع هذا النموذج استنتجنا أن هناك من يفضل التشرد والنوم في الشارع على مواجهة مشاكل الحياة اليومية أوعلى صرف بعض النقود على نفسه فعمي" أحمد" مثلا كان بإمكانه مع مدخوله الشهري أن يكتري غرفة في أحد المراقد الرخيصة و"سمير" كان بإمكانه احتمال غضب أبيه ولؤم زوجة أبيه إلى حين، عوض تضييع مسقبله وحياته في الشارع ففي كل عائلة يوجد مشاكل ولو أن كل واحد ترك عائلته وخرج لكانت الكارثة، ومع أن ظروفهم لا إنسانية وتعامل الكثيرين معهم لا إنساني أيضا ولا يرقى إلى المستوى إلا أنهم أيضا يحملون جزءا من المسؤولية على كاهلهم.