اعتبر المؤرخ الفرنسي"روني غاليسو" في حديث جمعه ب"الأمة العربية" أثناء تواجده بالصالون الدولي للكتاب، أن الجزائر تعد من بين الدول الرائدة التي عرفت نهضة فكرية لامثيل لها ، وتطورا واسعا في مجال ممارسة الحريات، بما شملته من تعزيز للغة الخطاب باعتباره المنبر الحقيقي لإبراز طموحات الشعوب، وكذا إستحداث مناصب الشغل في جل الميادين، لاسيما كما قال في الفترة الممتدة من الاستقلال إلى غاية سنة 1965، أما السنوات التي أعقبتها فلقد وصفها"روني" بالتناوب السياسي المرضي، المساهم في وجود التخلف والاختلال في النسيج المجتمعاتي وما تبعه من بيروقراطية مزمنة، وحسبه تحول نظام الدولة إلى نظام إداري قد ساهم في استمرار إيديولوجية وطنية تكفل بقاء نفس القادة في الحكم. وأرجع "المؤرخ" تصنيفه لهذه الفترات من الإنعاش الفكري، كونه يعد نفسه من أبناء الجيل الجزائري المعايشين لتلك الحقبة، ومن الأساتذة الأوائل الذين درسوا بجامعة الجزائر، هذه الأخيرة التي سمحت أنذاك بترقية لغة الحوار خلال السنوات الأولى من استرجاع الجزائر للسيادة الوطنية، عبر تلقين مختلف العلوم للشباب القادة الأفارقة من أجل دعم المكافحة التحريرية كما يسميها في العالم، والمدافعة عن القضايا الكبرى التي تتماشى ومطامح البلدان المصممة على ضمان أو تعزير استقلالها، واستحضر "روني غاليسو"، دور القائد المغربي مهدي بن بركة في الوسط الطلابي الجزائري. وفي سياق متصل، أورد ذات المتحدث أن الثورة التحريرية المخاضة من قبل الشعب الجزائري ضد المستعمر تدرج ضمن المكافحات المركزية في التاريخ الكولونيالي، لكنها ليست الوحيدة بالنسبة له رغم تضاؤل الثورات التحريرية وانحدارها للزوال بغية الانتقال لمرحلة أخرى، ذكر"غاليسو" الحرب التحريرية الفلسطينية التي تتصدر بؤرة الصراعات الدولية. وأشار في هذا المقام، صاحب الكتاب الجديد"هنري كوريال الأسطورة"، أن العنف ومستوياته الحالية التي باتت تنخر بنية المجتمعات في العديد من الدول المسيطرة لايعتبر ثوريا، ومنه العنف الإرهابي المضاد لمفهوم الثورة الحقيقية، والذي نتج عنه حسب الكثيرمن المتتبعين للشأن الدولي بعد الشباب عن السياسية، وهو الأمر الذي يراه "غاليسو" غير صحيح، لأن الشباب من منظوره واعي ويمتلك شعورا سياسيا مخالفا للجيل القديم تجاه الحركات أو المكافحات التحررية الموجودة عبر العالم. وعلى صعيد آخر، أوضح "روني غاليسو"، أن كتابة التاريخ المشترك ينبغي أن تكون من قبل المؤرخين الذين لهم بعد نقدي، ففي رأيه الثوريون الذين عايشوا وذاقوا أنكل الأساليب الاستعمارية الغاشمة، هم محامون عن الوطن ومن ثم فلايمكنهم الكتابة التاريخية.