أكد المؤرخ الفرنسي رونيه غالسيو أول أمس الخميس بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8 ماي 1945 بالجزائر أن القانون الفرنسي الجديد حول الأرشيف يؤكد الفكرة الثابتة لسر الدولة حول جرائم الدولة من بينها الجرائم التي تم اقترافها في الفترة الاستعمارية. ويبقي القانون الجديد حول الأرشيف بعض الوثائق التاريخية "غير قابلة للافشاء" كما يمدد آجال الحصول عليها الى 75 سنة لتصبح بعض الوثائق لاسيما تلك المتعلقة بالفترة الاستعمارية في الجزائر سرية ولا يمن الحصول عليها الا في حدود سنة 2037. وفي تصريح لواج أكد المؤرخ رونيه غاليسو مؤلف كتاب المهدي بن بركة من الاستقلال المغربي الى الحركة الثلاثية القارية ( الضيف 1997 ) و"أحياء التمييز العالم الثالث ام العالم الرابع (كرثالة معهد المغرب العربي أوروبا 1995) " أن القانون الجديد حول أرشيف الدولة يؤكد الفكرة الثابتة حول سر الدولة والاستهزاء" التام بالبحث التاريخي. وأشار الى أن هذا القانون الجديد ينص على ثلاثة أحكام تعسفية" من بنيها تعزيز الاجراء الاستثنائي للاطلاع على الأرشيف" وتأكيد "الحق الملكي" الذي يمكن الادارات والمصالح من اجراء انتقاء للوثائق والأوراق الواجب المحافظة عليها" والتي يتسنى لها "مواصلة ما تقوم به من إتلاف" للأرشيف بحجة "التصنيف" او "إعادة التصنيف". وأضاف أن " هذا التصرف الهمجي لاينتمي الى أي قانون" مذكرا بحالة أحد مصالح الشرطة التي سحبت على سبيل المثال المعلومات المتعلقة بالاغتيالات التي خصت السيد ولد عاودية أحد اعضاء هيئة الدفاع عن جبهة التحرير الوطني في فرنسا والمعارض المغربي مهدي بن بركة وهنري كوريال الذي حمل المشعل عقب توقيف جونسون لتنظيم شبكات »حاملي الحقائق" لتقديم الدعم اللوجيستيكي لمناضلي القضية الوطنية. ويعتبر الانتقاء هذه المرة مبررا تحت تسمية "سر الدولة حول جرائم الدولة". وشملت الحركة الاحتجاجية ضد هذا القانون الجديد العديد من الباحثين ورجال السياسة والجمعيات على غرار النائب الاشتراكي دانييل غولدبيرج الذي طالب في الأيام الماضية ب" الاعتراف التام" من قبل فرنسا بجرائم سطيف وقالمة وخراطة يوم 8 ماي 1945 كما طالب ب" منح المؤرخين حرية الاطلاع على الأرشيف". أما المؤرخ هنري بويو مؤلف كتاب ضد التعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي في الجزائر فقد اعتبر أن القانون حول الأرشيف "يضع غطاء صلبا" على الوثائق الضرورية للبحث عن الحقيقة" ويبقي السرية على حقيقة جرائم 8 ماي 1945 بسطيف او تلك التي اقترفت يوم 17 أكتوبر 1961 بباريس وعلى الوثائق المتعلقة بحالات التعذيب التي ( مارسها الجيش الفرنسي لاسيما بفيلا سوزيني بالجزائر العاصمة). وأضاف هنري بويو أن هذا الحظر الاعلامي فيما يتعلق بالأحداث التاريخية مرتبط بحماية" العديد من الأسماء التي قد تضحى محل اتهام مما يستدعي الانتظار في بعض الحالات لمدة 120 سنة للافصاح عن تلك الحقائق". وفي شكوى وقعها الآلاف من الباحثين والمؤرخين وعلماء الاجتماع والمواطنين اعربت جمعية مستعملي الخدمة العمومية للارشيف الوطني عن قلقها ازاء "جملة من الاجراءات تمس بحرية مستعملي الخدمة والبحوث التاريخية و"تقوض بشكل تعسفي حق اطلاع المواطنين على الأرشيف الوطني المعاصر (منذ 1933 ). وندد المؤرخ فانسون دوكلير من جهته ب" تحري السرية كتبرير لمشروع تعتيمي« معتبرا أنه فيما يتعدى فضاء نقاش ينحصر على المختصين فقط "فإن مثل هذا القانون يهدد البحث التاريخي" وأن "هذا المشروع يدعم رفض التاريخ النقدي" خاصة فيما ارتبط بالجرائم الاستعمارية". أما المؤرخة آنيت فيوفيوركا فاعتبرت من السخافة المحافظة على أرشيف مع منع الإطلاع عليه" متسائلة "ما المجدي من المحافظة على وثائق يتعذر الاطلاع عليها" وأضاف في نفس الطرح أستاذ التاريخ المعاصر السيد جان مارك بيرليار، حيث قال "يطالبوننا بواجب الذاكرة فهلا يمنحوننا الامكانيات اللازمة". ويأتي وضع المعلومات التاريخية المتعلقة أساسا بالجرائم الاستعمارية تحت الحظر في سياق تميز بتنامي التيارات التي تحن إلى الحقبة الاستعمارية ممن كانوا وراء اصدار قانون 23 فيفري 2005 الممجد للاستعمار وإذا كانت المادة 4 التي توصي بتلقين "مزايا" الاستعمار المزعومة في المدارس قد سحبت تحت ضغط موجة عارمة من الاحتجاجات فإن المادة 13 التي تنص على تعويض مجرمي منظمة الجيش السري قد أبقي عليها. ولاحظ روني غاليسو أن "هذا القانون قد وضع بالفعل لتعويض مجرمي منظمة الجيش السري" مضيفا نحن اليوم في زمن يستفيد فيه اليمين من حرية تبني خطاب اليمين المتطرف العنصري والمعادي للأجانب في ظل اللاعقاب". وطالب بدوره المؤرخ اوليفيي لوكور غرانميزون "الإلغاء التام والكلي لهذا القانون وفق ما تطالب به الحركة الجمعوية الفرنسية. ومن جهته أكد المؤرخ الفرنسي آلان روسيو ضرورة "اعتراف رسمي من فرنسا بالجرائم والمعاملات الجائرة من الحريات والعنصرية" التي ميزت جلها القرون الأربعة الأخيرة. قال مؤلف "تاريخ الاستعمار" في حديث نشر في العدد الأخير من المجلة الشهرية "أفريك آزي" نطلب اعترافا رسميا من فرنسا بالجرائم والمعاملات الجائرة والحرمان من الحريات والعنصرية التي ميزت أربعة قرون ونص من العبودية في ظل الهيمنة الاستعمارية". واعتبر آلان روسيو أن هذا الاعتراف "حق تمليه: الحقيقة التاريخية وذاكرة الضحايا وكذا محاسن أخلاق المجتمع" حيث تساءل "كيف يمكن لشباب فرنسيين هم أحفاد للمستعمرين أن يعيشوا في بلد بقي فخورا ويثير حتى ماضيه في ما وراء البحار". وأوضح المؤرخ أن الاعتراف الرسمي بأعمال العنف التي اقترفها النظام الاستعماري قد لا يكفي "بحيث - كما قال - سيسمح فقط ببعث نقاش سليم يكون حاملا لحوار دون استثناءات مضيفا أن هذا الحوار" سيفضي في نفس الوقت الى نقاش حول الجانب الاجتماعي: كيف نفسر كون عدد البطالين والفقراء والمهمشين يكون أعلى في أوساط أولائك الذين يحملون اسم محمد أو ادريس منه في أوساط الذين يحملون اسم بيار أو فرنسوا". ويرى آلان روسيو أن إعادة الاعتبار "لمحاسن الاستعمار" سيؤدي الى "التجزئة". وتساءل قائلا: "هل سيكون مجتمع الغد الفرنسي مزيج عناصر أو مجتمعا عناصره متعارضة أو مجتمع فسيفساء فيها نوع من الانسجام" معتبرا أن النزعة الطائفية لا تعتبر هجوما ضد فرنسا بل هي صرخة يأس". إن الاعتراف بجرائم وجنح الماضي الاستعماري لا يعني احياء الجروح بل بالعكس يعني يأن يسترجع الملايين من مواطنينا اعتزازهم وبالتالي إبطال مفعول فخ النوعة الطائفية".