يتميز الإرث الفني بمنطقة الطاسيلي بجنوب شرق البلاد بخاصية انتقاله من جيل إلى جيل منذ سنين طويلة بواسطة المرأة التارقية التي تعد إحدى ركائز الذاكرة الجماعية بالمنطقة. تعرف المرأة بهذا المجتمع أنها العامل الأساسي في المحافظة على العديد من العادات والتقاليد والإرث المادي واللامادي، لاسيما الثقافي والفني كما هوالشأن بالنسبة لفن "الإمزاد" الذي تظل مهمة المحافظة عليه على عاتق المرأة التارڤية. ويحظى فن "الإمزاد" بأهمية كبيرة لدى السكان المحليين بالطاسيلي كما أشار الأستاذ في علم الاجتماع عبد النبي زندري من جامعة تمنراست مضيفا "أن قيمة هذا الفن وتطوره وتقهقره تبقى مرهونة بمكانة المرأة التارقية ضمن المجتمع المحلي وأن أي تحول سلبي يطرأ على "الإمزاد" سيؤثر لا محالة على الفنون المحلية كالتيندي والأنواع الموسيقية والغنائية الأخرى." "التارڤية" عنصر أساسي لحفظ التراث واعتبر الأستاذ الجامعي المرأة التارڤية بمثابة العنصر الأساسي في حماية وحفظ الإرث غير المادي ونقله إلى الأجيال القادمة. وحذر ذات المتحدث من أي تحول للمجتمع التارقي المرتكز على الأسرة "الأموسية " أن المرأة التارقية النشطة خارج المراكز الحضرية لازالت تحظى بوضعيتها الاجتماعية الهامة وبمكانتها المرموقة باعتبارها المحرك الأساسي لأي نشاط فني وثقافي يخدم مجتمعها. وأوضح نفس المصدر أنه بالإضافة إلى مهامها المختلفة "فإن المرأة التارقية لم تتوان في إضفاء الشيء الجميل المفيد بتحملها صناعة آلة "الإمزاد" تكريسا لسنة أترابها القدامى اللواتي دأبن على جعل هذه الصناعة حكرا عليهن وإحدى أهم العوامل لتميزهن ضمن المجتمع". وأردف زندري في سياق شرحه لعلاقة المرأة بالآلة بقوله" أن مداعبة المرأة لآلة "الإمزاد" نابعة من حرصها على التغني بمجتمعها عاداتها وتقاليدها أوقات السلم والحرب المدح والرثاء الحكمة والتكافل الاجتماعي". وأضاف نفس المتحدث " أن المرأة التارڤية لا تأبى أن يرافقها في حفلاتها الرجل في إقحامه لترديد ما تجود به قرائحها لكن دون أدنى تشويه لكلماتها أولأوزانها". فتح مدارس للحفاظ على الفن وإيمانا منها بقيمة هذا النوع من الموسيقى أفصحت عازفة الإمزاد تارزة داودي ذات 82 حولا عن نيتها في فتح مدرسة لفن "الإمزاد " خلال الأيام القليلة القادمة بإيليزي. وأشارت داودي إلى ضرورة وجود "خير خلف لخير سلف" كما تقول لئلا يندثر هذا الإرث الثقافي ويصبح طي النسيان. وبرغم التقدم في العمر ونوائب الدهر فإن هذا لم يثبط من عزيمتها "الفولاذية " في الحفاظ وحماية تراث الإمزاد بتلقينه إلى مجموعة من فتيات المنطقة تدعيما لجهود ورشات تعليم الإمزاد التي يشرف عليها "إبراهيم بالخير" لفائدة فتيات منطقة برج الحواس وتلك المتواجدة بمنطقة جانت التي أنشأتها عميدة الإمزاد الراحلة تارزاق بن عومر. وفي حديثها عن هذه الفنانة الرمز تقول داودي أن الراحلة تعد مرجعا في مداعبة "الإمزاد" وكانت سفيرة لموسيقى الأغنية التارقية بمنطقة الطاسيلي ناجر". وأضافت داودي أن تازراق بن عومر عملت على ترقية فن الإمزاد والسمو به إلى أعلى المراتب العالمية بفضل كلماته التي تتغنى بالتاريخ والعادات والتقاليد والأفراح والأحزان ووصف الحياة اليومية لسكان الطاسيلي. وأشارت ذات المتحدثة أن مساهماتها لا تقتصر على الغناء بل على التكوين وتطوير الفن المحلي إلى جانب "بن عومر وسونة داودي" اللتان استطاعتا هيكلة العديد من فتيات المنطقة ضمن مجموعات ثقافية تعنى بفن الإمزاد. دعوة إلى تدعيم التظاهرات وأوضحت العازفة "أوصالي طاطة" من جهتها أن منطقة الطاسيلي وخاصة جمعية فن "السبيبة" قد فقدت بانطفاء العديد من الوجوه النسائية الفنية عدة مشاركات بالتظاهرات الثقافية المحلية ذلك أن رحيل الفنانات بالمنطقة التي كانت تحصي من بين امرأتين عازفة للإمزاد ساهم إلى حد بعيد في انحصار فن الإمزاد ضمن مجموعة تقدر بخمس عازفات في الوقت الحالي تم إحصاؤهن بمنطقتي الطاسيلي والأهقار. وتشير نفس المتحدثة أن إمكانية اكتشاف مواهب نسوية أخرى في فن الإمزاد تبقى ضئيلة، مضيفة أن إعداد هذا الإحصاء للعازفات جاء بهدف إعادة الاعتبار لهذا الفن وتكريس مكانة المرأة الاجتماعية والثقافية ضمن محيط يتسم بالتعاون والعمل الجماعي مع بعث أي نشاط يصب في الصالح العام. وبالعودة إلى مسألة اختفاء فن الإمزاد يقول الأستاذ في علم الاجتماع "عبد النبي زندري" أن الهدف الأساسي لجمعية "الإمزاد تيندى" التي يرأسها الفنان إبراهيم بلخير بمنطقة برج الحواس يرتكز على إشراك الجمعية في الحفاظ على هذا الموروث الثقافي اللامادي العريق والعمل على التمسك بأصالته كتعبير ثقافي عن الهوية". وأشار إبراهيم بلخير من جهته " أن الجمعية تسعى إلى تشجيع تطور هذا النوع من الموسيقى على المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية خدمة لسكان مناطق الجنوب الكبير". تخوف من الاندثار وفي حديثه عن المحافظة على هذا التراث اللامادي فإن الأستاذ "زندري" يحذر من أن يؤول فن الإمزاد إلى ما آلت إليه الفنون الأولى التي كانت سائدة والتي اندثرت برحيل العازفات" مضيفا في نفس السياق بقوله " أنه يتعذر على من لازلن على قيد الحياة حفظ الكنوز الأولى من الفن العريق والقديم إلا بعض الأبيات وأحيانا دون أوزانها". وأوضح نفس المحدث " أنه عثر طيلة رحلته لجمع وتدوين الفن القديم من الإمزاد والفنون الأخرى على عجوز بحوزتها 31 أغنية فقط من ديوان فني ثري وهوما يعنى حسب الأستاذ "زندري" " أن مصير هذه المجموعة من الأغاني مرهون بحياة أورحيل هذه العجوز". ويرى الأستاذ "عبد النبي زندري" أن فقدان عازف أوفنان الإمزاد يعني فقدان هذا الأخير جزء من أصالته " وعليه كما أضاف " ينبغي إعطاء العناية الكافية لفنون منطقة الطاسيلي حفاظا على التراث وتطويرا للثقافة وحماية للذاكرة الجماعية".