الإنسان كائنٌ مُنتمٍ بطبعه و مجبول على الميل للأشياء، والتعلق بالأشخاص والتعصب للعادات والسلوكات، وهو محب ولوع بالتمييز والمفاضلة بين الأشياء، حريص على المماثلة وإظهار أوجه الخلاف بين كل ما يحيط به؛ وقد وجد الكثيرون في أندية كرة القدم ومدارسها، ثنائيات جديدة أضيفت إلى قائمة الثنائيات المعهودة. فمال هذا الفريق إلى هذا النادي دون غيره، وعشقت تلك الفئة أندية غيرها حد الجنون، وتعصبت مجموعة ثالثة إلى فرق كروية أخرى في تنافسية هستيرية خرجت بها من آداب الرياضة المحمودة إلى دائرة الشذوذ غير السوي الذي يجعلها ترتكب حماقات ربما تكلف الكثير. إن ظاهرة التعصب في الانتماء الرياضي التي أخذت في السنوات الأخيرة حجما كبيرا في شوارعنا وبين شبابنا ذكورا وإناثا، ظاهرة غريبة فعلا تلك التي أصبح يعيشها الشباب الجزائري خاصة والعربي عامة ، تلك التي نقلت عدوى ما تشهده وتعيشه الملاعب الرياضي من شغب ومنافسات بين مشجعي الفرق، إلى البيوت والأسر، وجعلت أكثرية الشباب الجزائري حتى صغار السن منهم يتفرقون في حب الأندية الأجنبية وخاصة منها: "البارصا" نادي برشلونة، و"الريال" نادي مدريد، والذي يظهر جليا في الحماسة والتحيز المفرط للفرق الأجنبية على حساب الوطنية، بارتدائهم للأقمصة والبدل والقبعات ومناديل العنق التي تحمل أرقام أسماء مشاهير فرق الريال و البارصا ورموزهما الرياضية وحلاقات الشعر الغربية. حتى أن بعض المقاهي عُرفت بميول روادها للبارصا، وأخرى خصصت لأنصار الريال فهل يمكن اعتبار ما يحدث مع البارصا والريال، ظاهرة صحية، أم هي نوع من الإستيلاب؟؟ أم هي مجرد تعويض عن النقص وتعبير صريح عن الاستياء الرياضي؟ وكيف تمكنت هذه الأندية الأسبانية من تكوين قاعدة جد عريضة من الأنصار بين الشباب الجزائري في الوقت الذي أصبحت فيه فرقنا وأنديتنا الوطنية لا تحرك سواكن وعواطف هؤلاء الشباب.قبل الجواب ينبغي النظر إلى هذه الظاهرة بعين السوسيولوجية، لأن الأمر لا يتعلق بتشجيعات رياضية عادية ومعتادة، بل هو بحث مستمر عن فريق أو وطن آخر، بانتماء جديد و هوية أخرى، والذي يمكن نسميه بالغزو الرياضي الاوروبي باستخدام فرق رياضية مثل البارصا و الريال أو غيرها من الفرق الأخرى التي تقدم الفرجة والفرحة، ومما ساعد على هذا الغزو البطولة الوطنية التي اصبحت لا تحرك في الجماهير الرياضية الجزائرية وخصوصا في فئة الشباب أي تعاطف أو انتماء، كما نلاحظ ذلك بقوة في مدن شمال الجزائر، حيث نكتشف أن هجاسا بالانتماء إلى زمن أو وطن آخر يقدم الفرجة التي تفرض هذا الانتماء و الهوية. و بما أن الوطن لا يقدم الحد الأدنى مما هو مطلوب منه، فإن الغزو الرياضي و العنف المضاد الذي يرافقه يظل جوابا محتملا ذاك السؤال وعلى قلق الهوية و الانتماء. على العموم وفي كل الأحوال فهي ظاهرة غير طبيعية لشباب فقد بوصلة الانتماء إلى هذا الوطن و تعبير عن فراغ يشكوه المجتمع الجزائري و هجرة شرعية بعيدا عن الكساد الذي يعم الملاعب الوطنية وتمردا على الواقع المأساوي الذي تعرفه الكرة الجزائرية بكل أنديتها و هروبا من قبح الواقع المتردي الذي تعيشه تتعرض له من إخفاقات متتالية ونتائج هزيلة ومستويات جد متواضعة. والتي خبا فيها الحماس وفتر بها كل الذي عرفته الرياضة في سنواتها الزاهية من انتصارات كانت تبعث روح التعاطف والانتماء للفريق الوطنية؛ وتجعلهم يحبون نوادي أحيائهم وفرق مدنهم، ويشجعونها، فلا يقتصرون على حضور المقابلات المحلية الوطنية فقط. بل كانت الحصص التدريبية لفرق الأحياء، تعرف هي أيضا إقبالا جماهيريا منقطع النظير. كما ان علماء وشيوخ الدين حرموا في كثير المرات هذا التعصب الغير مقبول نحو فرق لا تجمعنا بها أي شيء, لا الجغرافيا و لا الثقافة و لا حتى السياسة وحتى دين وهو ما أكده لنا إمام مسجد النور بولاية سوق أهراس الشيخ عصام، مؤكدا أن اسباب التحريم تعود بالدرجة الأولى إلى تلك المخلفات التي تنتج عن هذا التعصب الرياضي غير مقبول ، من خصام بين الاب و إبنه أو أخاه أو احد أصدقائه بسبب المباراة بين فريقي البرصا والريال , وقد ابعد لقاء الكلاسيكو المجتمع الاسلامي عن دينهم ، فحديثهم عن هده المباراة تجده في كل مكان , المقاهي و الساحات , البيوت و مقاعد الدراسة وحتى المساجد, وألهم عن ذكر كلام الله عز وجل . فعندما يلعب لقاء الذهاب بين الطرفين في احد الملعبين , ترى الطرف الأخر يتوعد ويهدد الأول بالهزيمة النكراء في لقاء العودة و يقول له بصريح العبارة : «في لقاء العودة على ملعبنا سنهزمهم شر هزيمة» كلام غريب في ملعبه, أين يوجد هدا الملعب , في سوق اهراس أو عنابة أم وهران , ربما يقصد 5 جويلية لقد تطور الحب إلى عشق , مادا فعلوا بعقولنا حتى اثروا فينا هكذا , أثناء المباراة تجد الشوارع فارغة على عروشها إلا من رحم ربي , المقاهي ممتلئة عن آخرها قبل ساعات قبل بداية المبارة وكأن الفريق الوطني الجزائري سوف يعلب نهائي كأس العالم و تجد البيوت منقسمة بين الفريقين إلى حد العداوة , الاستعمار لم يفرقنا , ففرقتنا فريقين لا ينتمين لنا بأي صلة ،فترى أثناء المباراة يأخذ العصب أبعادا أخرى , كراسي تتكسر شجارات و مشاحنات , إغماءات و إسعافات , كأننا في حرب أهلية , لمادا كل هدا التعصب الأعمى ؟ أقول لكم و بصراحة , والله لو تسأل بعض المتعصبين سؤال بسيطا حول احد الفريقين فلن يعرف الإجابة , لا يعرفون عن الفريقين إلا الاسم و بعض اللاعبين حتى لا أقول كل اللاعبين . تنتهي المباراة و حصيلتها معروفة سلفا : شجارات , تكسير , مخاصمات , حزن و أسى كان احد أفراد العائلة توفي لا قدر الله , في اليوم الموالي سيظهر التعصب في أبشع الصور صراخ في الأماكن العمومية و شجارات بالسيوف و الخناجر كأننا في الجاهلية , ضرب و لكم , مشاحنات و خلافات , لو ذهبنا إلى اسبانيا لوجدنا الأجواء هناك عادية لا تشوبها شائبة . الغريب في الأمر ان الاوروبين لم يستطيعوا استعمار الجزائر بقوة الاسلحة ولكن وجدوا طريق أخرى لغزو الجزائر رياضيا وأدخلوا على مجتمعها ظاهرة سلبية ساعدت في غزوها ، يجب علينا معالجتها من الأساس و دلك بخلق وعي حضاري و كروي مثل ما هو موجود في أوروبا لان هدا التعصب ليس في صالحنا أبدا , فبدل أن تتعصب لفريق كرة قدم لا ينفعك في شيء , تعصب في قضاياك المصيرية و على رأسها القضية الفلسطينية , اعترف أنني كنت من المتعصبين , لكنني على الأقل اعرف كل شيء عن فريقي و كل فرق كرة القدم في العالم , ليس من اجل عيون اللاعبين لكن لأنني احتاج مثل هده الثقافة الكروية التي ستساعدني كثيرا في مجال الصحافة .