التكافل الإجتماعي له معان عديدة وكثيرة في المجتمع الجزائري، تلك المعاني التي تعبر عن الإنسانية والرحمة والشعور بمعانات الآخرين وغيرها من تلك الأمور التي تكون بقلوب الناس والتي من المفترض تواجدها في كل وقت، فبحلول شهر رمضان الكريم نجد الكثيرين يحضرون ما تعرف بالقفة الرمضانية تلك التي تكون مخصصة لأسر الفقراء والتي يحرص الكثيرون عليها كعادة من عادات الشهر الكريم. كما في كل عام، يقصد عابرو السبيل والمحرومون والطلبة والعمال وأولئك الذين أجبرتهم الظروف على قضاء شهر رمضان بعيداً عن عائلاتهم، مطاعم الرحمة ومآدب الإفطار الجماعي المنتشرة في مختلف مدن الجزائر وولاياتها، لتناول وجبة الإفطار وتنشط جمعيات عدّة في هذا المجال الخيري، في جملة من المشاريع مثل مطاعم الخير وموائد خاصة بالأيتام ومشاريع قفة المحتاجين التي تجمع المواد الأساسيّة على مدار شهر رمضان لتوزيعها على الأسر المعوزة والمحتاجة ومحدودي الدخل وتجدر الإشارة إلى المساعدة التي تقدّمها بعض النسوة والشابات للجمعيات والبلديات لجهة إعداد أطباق موائد الرحمن تطوّعاً ولأن تجمعات المهاجرين الأفارقة التي تضم مئات العائلات أصبحت تشكّل ظاهرة حقيقيّة في العديد من ولايات الوطن، أصدرت وزارة التضامن الاجتماعي تعليماتها إلى مديريات النشاط الاجتماعي على مستوى بعض ولايات الوطن، لتخصيص مطاعم إفطار جماعي لهؤلاء المهاجرين، على أن يحدّد عدد المطاعم التي ستفتح في كل ولاية بناءً على كثافة عدد المهاجرين المتواجدين في كل منطقة، وتكون في الأماكن التي تكثر فيها تجمعات الأفارقة على غرار محطات المسافرين. والجدير بالذكر، أن التكافل الإجتماعي لا يختص بسن أو عمر معين فهو يشتمل على الكبير والصغير فتستطيع عمل الخير مهما كان سنك فالبسمة في وجه الفقير تعد من أفضل الصدقات ولذلك من أهم الأمور التي يجب أن تعلمها لابنك هو واجب الصدقة وكيفية التعامل مع الفقير بالمعاملة الحسنة وغيرها من مثل تلك الأمور الكثيرة التي يجب الإهتمام بها بقدر كبير. وكما تعد من أشكال التكافل الإجتماعي الإفطار مع اليتيم وذلك من خلال مائدة الإفطار المعروفة لدى الجميع، فالإفطار مع هؤلاء الأطفال قد يغرس الفرحة بقلوبهم تلك الفرحة التي تكون لها مساحة كبيرة في قلوبهم ولذلك يجب الإهتمام بمثل تلك الأمور، بالإضافة إلى ذلك أيضا مساعدة الفقراء تلك المساعدات التي تكون لها أشكال كثيرة منها المساعدات المالية والمساعدات في الشهر الكريم بتوفير لهم الوجبات والقفف الرمضانية كما ذكرنا في السابق، وكما تعد من أساليب التكافل الإجتماعي أيضا التحدث والتعامل مع الفقراء وغيرهم من تلك الفئة بأسلوب حسن وطيب يسعد الآخرين به وذلك للحصول على الأجر الحسن من الله عز وجل. من سمات المجتمع القوي والمتماسك سمة التكافل الاجتماعي وهو ما يعني قيام المقتدرين مالياً بتقديم يد العون والمساعدة للضعفاء من الفقراء والأيتام والمرضى، حيث يوجد في كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية أناس يفتقدون القدرة على تلبية حاجاتهم المادية وربما المعنوية أيضاً. وفي التعاليم الإسلامية، نجد الحث على القيام بمساعدة ومعاونة ودعم الفقراء والأيتام والمحتاجين والمعوزين والمعوقين والمرضى، فقد حَثَّ ربنا سبحانه وتعالى على مساعدة الأيتام والمساكين والمحتاجين، حيث يقول تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ }، ويقول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى الله عز وجل، وأشار بالسبابة والوسطى) وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ( من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار). والتكافل الاجتماعي مهم جداً لأنه يقضي على الفقر والجهل و المرض، فمساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين وتلبية مستلزماتهم الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومنكح يعد من الحاجات الأساسية التي يجب أن تكون من أولويات العمل التطوعي. ومن توفيق الله تعالى للمؤمن في هذا الشهر الفضيل، أن يتوفق لتخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين والأيتام والمساكين، فقد ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه ) ويحث رسولنا الكريم على التصدق على الفقراء والمساكين إذ يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): ( وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ) ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً:( أفضل الصدقة في رمضان ). إن الاهتمام بالفقراء والمحتاجين في هذا الشهر الشريف، ومساعدتهم مادياً ومعنوياً، وتلبية بعض متطلباتهم، وتحقيق بعض حوائجهم، من أفضل الأعمال، وأنبل الصفات التي يجب القيام بها كما أن القيام بدعوة الفقراء والمحتاجين إلى وجبة إفطار من الأعمال التي ندب إليها الإسلام، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ( من فَطَّر مؤمناً في شهر رمضان كان له بذلك عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فإن لم يقدر إلا على مذقة لبن ففطر بها صائماً أو شربة من ماء عذب وتمر لا يقدر على أكثر من ذلك أعطاه الله هذا الثواب)، كما أن التكفل بمؤونة شهر الصيام للفقراء، أو توفير ما يحتاجونه كلها من الأعمال الصالحة التي ندب إليها الإسلام. ومتى ما تحقق التكافل الاجتماعي، فإن المجتمع سينعم بالاستقرار والأمن الاجتماعي، وسيشعر الجميع بالسعادة، وستقوى أعمدة البنيان الاجتماعي العام. يتسابق المؤمنون المخلصون في شهر الله للعطاء والفاعلية، والقيام بأدوار اجتماعية كبيرة، وتحمل المسؤوليات الدينية والاجتماعية، ذلك لأن الأعمال في شهر رمضان مقبولة ومضاعفة، فقد ورد عن النّبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: ( وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب) وفي موضع آخر عن مضاعفة الأعمال فيه ( ومن أدى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره ). ومجتمعنا، كأي مجتمع آخر، بحاجة مستمرة للعطاء الاجتماعي العام من كل أفراده، فكل واحد منا يستطيع أن يساهم بجزء من مسيرة التقدم والتطور الاجتماعي، والمجتمع بحاجة إلى أناس يعملون أكثر مما يتكلمون، ويبادرون أكثر مما ينتقدون، ويتسابقون في العطاء أكثر مما يتسابقون في الهروب من تحمل المسؤولية وشهر رمضان منعطف مهم في حياتنا الاجتماعية نحو التغيير للأفضل، وتحمل أعباء المسؤولية الاجتماعية، فالمجتمع يعاني من مشاكل وأزمات قديمة وجديدة، والمهم هو التفكير في حلها بدل التذمر السلبي الذي لا يحل أي مشكلة، بل يعمقها، والمطلوب هو أن نحدث تغييراً حقيقياً في مسيرتنا الاجتماعية بتقديم كل فرد من أفراد المجتمع ما يستطيع من خدمات وطاقات ومواهب لتنصهر في النهاية في بوتقة المجتمع لننير الدرب كي ينمو المجتمع نمواً حقيقياً في مختلف المجالات. والخلاصة، لنحول شهر رمضان المبارك إلى شهر تغيير في كل شيء، في حياتنا الخاصة، وفي مسيرتنا العامة، ولنعمق قيم التواصل والتكافل والعطاء الاجتماعي في كل زاوية من زوايا مجتمعنا، وفي كل بعد من أبعاده، وبأي شكل نستطيع، وبأي وسيلة نتمكن، فالمهم هو الإنجاز الاجتماعي، وإحداث التغيير نحو الأفضل من أجل بناء مجتمع متقدم ومتحضر. والتكافل الاجتماعي في الإسلام ليس معنياً به المسلمون المنتمون إلى الأمة المسلمة فقط بل يشمل كل بني الإنسان على اختلاف مللهم واعتقاداتهم داخل ذلك المجتمع، كما قال الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، أي أن التكافل الاجتماعي في الإسلام يعد غاية أساسية تتسع دائرته حتى تشمل جميع البشر مؤمنهم وكافرهم فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات: 13. ذلك أن أساس التكافل هو كرامة الإنسان حيث قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ الإسراء: 70. والتكافل يتدرج ليشمل الإنسانية جمعاء، حيث يبدأ الإنسان المسلم بدائرته الذاتية ثم دائرته الأسرية ثم محيطه الاجتماعي ثم إلى تكافل المجتمعات المختلفة.