إنّ شهر رمضان شهر الجود والعطاء، والبذل والإحسان، شهر التّواصل والتّكافل، شهر تغمر فيه الرّحمة قلوب المؤمنين، وتجود فيه بالعطاء أيدي المحسنين. ولقد كان من جود الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر أن ابتعث سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفيه أنزل القرآن، وكان سيّد الخلق عليه الصّلاة والسّلام جوادًا كريمًا. لقد ضرب سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أروع أمثلة البذل والعطاء في هذا الشّهر المبارك حتّى وصفه عبد الله بن عباس رضي الله عنه بأنّه: “كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلّ ليلة من رمضان، فيُدارسه القرآن، فلَرَسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجودُ بالخير من الرِّيح المُرسلة” متفق عليه. والصدقة في هذا الشّهر شأنها أعظم وآكد ولها مزيّة على غيرها لشرف الزّمان ومضاعفة أجر العامل فيه؛ ولأنّ فيها إعانة للصّائمين المحتاجين على طاعاتهم فاستحقّ المعين لهم مثل أجرهم، فمن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره. ولأنّ الله سبحانه وتعالى يجود على عباده في هذا الشّهر بالرّحمة والمغفرة، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل. ما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يتلمّسوا هدي نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم وأخلاقه في كل وقت وفي هذا الشّهر تحديدًا، فقد كان الجود أعظم أخلاقه، وكان صلّى الله عليه وسلّم متّصفًا بجميع أنواعه، من الجود بالعلم والجود بالمال والجود بالنّفس في سبيل الله تعالى. يقول سيّدنا أنس رضي الله عنه: ما سُئِل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الإسلام شيئًا إلّا أعطاه، جاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: “يا قوم! أسْلِموا، فإنّ محمّدًا يُعطي عطاء مَن لا يخشى الفاقة” رواه مسلم. وكان الرجل يُسْلِم ما يُريد إلّا الدّنيا فما يمسي حتّى يكون الإسلام أحبّ إليه من الدّنيا وما عليها، قال صفوان بن أمية: “لقد أعطاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أعطاني، وإنّه لمن أبغض النّاس إليّ، فما برح يعطيني، حتّى إنّه لأحبّ النّاس إليّ، وقد أعطاه يوم حُنَيْن مائة من النَّعم، ثمّ مائة ثمّ مائة ونَعَمًا، حتّى قال صفوان: أشهد ما طابت بهذا إلّا نفس نبيّ”. ولمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من غزوة حُنَيْن تزاحم عليه النّاس يسألونه، حتّى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه، فوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقال: “أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العِضَاه نَعَمًا لقسّمته بينكم، ثمّ لا تجدوني بخيلاً ولا كذوبًا ولا جبانًا” متفق عليه، و[العِضَاه: كلّ شجر له شوك، صَغُرَ أو كَبُرَ. الواحدة: عِضاهة]. ففي الزّمن الأوّل من تاريخنا الإسلامي نماذج في التّكافل الاجتماعي، من أناس يعيشون ألم المحتاجين، والفقراء، من كافة طبقات المجتمع فقيرهم وغنيّهم، بل وحتّى من كبار عليّة القوم الّذين أنعم الله تعالى عليهم بالمنصب والجاه؛ فكانوا من الشّاكرين، ولمساكين زمانهم من المهتمين بهم وبحالهم. ورد في سيرة الوزير العادل ظهير الدّين أبي شجاع محمّد بن الحسين، وزير المقتدي بالله المولود سنة 437ه رحمه الله: أنّه عُرضَت عليه رقعة من بعض الصّالحين يذكر فيها أنّ امرأة معها أربعة أطفال أيتام، وهم عُراة جياع، فقال للرّجل: امض الآن إليهم، واحمل معك ما يُصلحهم، ثمّ خلع أثوابه، فقال: والله لا لبستها ولا دفئت حتّى تعود وتخبرني أنّك كسوتهم وأشبعتهم، فمضى وعاد فأخبره، وهو يرعد من البرد!. فاغتنموا هذه الفرصة، وأنفقوا ينفق عليكم، وتذكّروا إخوانكم الفقراء والمساكين، واعلموا أنّ من تمام شكر النِّعمة الإنفاق منها، قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضَ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةٍ وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإلَيْهِ تُرْجَعُون} البقرة:245.