تخليدا للذكرى ال 66 لمجازر أحداث ماي 45، عرفت ولاية سعيدة يوم أمس الأحد، عدة نشاطات فكرية، ثقافية، رياضية، ورسمية، فعلى المستوى الرسمي، توجهت السلطات العمومية والمنتخبة للولاية إلى زيارة مقبرة الشهداء بالقرب من ضريح الولي الصالح سيد الحاج عبد الكريم، ثم التجمع بمتحف المجاهد بمقر المنظمة الوطنية للمجاهدين بوسط المدينة ووضع إكليل من الزهور علي جدارية 8 ماي 45 بوسط المدينة بمحاذاة دار الثقافة الشهيد مصطفى خالف المدعو "شكيب"، ثم التوجه إلى مقر بلدية سعيدة، حيث نظمت هذه الأخيرة حفل استقبال على شرف الأسرة الثورية ومناضلي أحداث 2 و18 ماي بسعيدة، وإلقاء كلمة بالمناسبة من طرف رئيس جمعية 8 ماي 45 حول الأحداث التي عرفتها الولاية وولايات الغرب الجزائري خلال أحداث ماي 45. وعلى المستوى غير الرسمي نظمت عدة تظاهرات فكرية وثقافية ورياضية تخليدا للذكرى ال 66 لأحداث ماي 45، وأهم ما ميز هذه التظاهرة في ذكراها ال 66 هي تلك الشهادات الحية التي قدمها العديد ممن عايشوا الأحداث من مناضلي حزب الشعب الجزائري آنذاك، وقادة كشفيين، والذين أكدوا وأجمعوا في مداخلاتهم، على ضرورة تصحيح المفاهيم والمصطلحات، واعتبار أن الأحداث هي أحداث ماي 45 وليس 8 ماي 45 وحصرها في قالمة وخراطة وسطيف، باعتبار أن كل جهات الوطن شرقا، غربا، وسطا وجنوبا عرفت أحداثا مماثلة في تيزي وزو، سطيف، بشارسعيدة، بلعباس، وهران، وغيرها من أنحاء الوطن، من خلال نشاط ونضال مناضلي الحركة الوطنية، وعلى وجه الخصوص مناضلي حزب الشعب الجزائري، وقادة وإطارات الكشافة الإسلامية، الذين كانوا مناضلين قياديين بحزب الشعب، أمثال الشهيد بلقصير عبد القادر، والإخوة براسي، ملاح، بوقادة والقائمة طويلة. وفي هذا السياق يؤكد المجاهد والكاتب المؤرخ الحاج محمد انجادي، أحد قادة هيئة التسليح للولاية الخامسة، ووالي سابق بولاية الشلف في عهد حكومة الرئيس الراحل هواري بومدين، في كتابه حول أحداث ماي 45 بولاية سعيدة، بأن الأحداث انطلقت بمدينة الرائد المجذوب يوم 2 ماي 45 وفق توجيهات قيادة حزب الشعب الجزائريبوهران مع نهاية أفريل 45 برئاسة المناضل بودة، وكلف وقتها الشهيد بلقصير عبد القادر بتبليغ رسالة الحزب لمناضليه وقاعدته العريضة وقتها بولاية سعيدة، لتنظيم مظاهرات شعبية خلال شهر ماي لرفع الضغط والخناق على الشمال القسنطيني، ليتم اختيار 2 ماي 45 بمناسبة تنظيم السلطات الاستعمارية بسعيدة، لفحص طبي للشبان الجزائريين المجندين للخدمة العسكرية، بحيث انتهزت قيادة حزب الشعب بسعيدة، أسلوب معاملة السلطات الإستعمارية للشبان الجزائريين المجندين، وإجبارهم على الإستحمام بمبرر "الانديجان المقمل" وتحويل هذا الغضب إلى مسيرة حاشدة وسط مدينة سعيدة، رُفعت فيها عدة شعارات للمطالبة باستقلال الجزائر، وتفعيل روح التضامن والتآزر مع القضية الجزائرية داخل هيئة الأممالمتحدة، لتقرير المصير، مع رفع الرايات الوطنية التي أحضرها قادة الكشافة الإسلامية الجزائرية، أمثال المرحوم عمي بوزيق مبارك رحمه الله، ومجموعة أخرى، أمثال المرحوم محمد بن محمد، وعثماني، والقائمة طويلة. ليستمر النضال حسب شهادة القائد الكشفي الحاج محمد شهرة رئيس جمعية قدماء الكشافة بالولاية، ومنسق الجهة الغربية للعمداء، تحضيرا لأحداث 18 ماي 45، بحيث كثفت الاتصالات والتحضيرات من طرف مناضلي حزب الشعب الجزائري وقادة وإطارات الكشافة الإسلامية آنذاك، لتحديد مجموعة من الأهداف الثورية، للفت انتباه الإدارة الاستعمارية، وتخفيف الضغط على الشمال القسنطيني، بعد الأحداث الدامية لمجازر 8 ماي 45 التي ذهب ضحيتها أكثر من 45000 شهيد حسب إحصائيات المستعمر بنفسه آنذاك ولفت الأنظار عن مناطق سيدي بلعباس، وهران، عين تموشنت وسطيف، بعد إلقاء القبض على صاحب الرواية "نجمة"، كاتب ياسين، ووضعه بالسجن وعمره لا يتجاوز 16 سنة بسجن سطيف، ليصدر بعد ذلك روايته من السجن، والتي يروي فيها كاتب ياسين أحداث ماي 45. أهداف أحداث 18 ماي 45 بسعيدة، التي قادها وأطرها وأشرف على تنظيمها إطارات وقادة حزب الشعب الجزائري والكشافة الإسلامية، تمثلت في حرق مقر البلدية الاستعمارية بسعيدة، وقطع كوابل الخيوط الهاتفية ما بين الإدارة الاستعمارية وقيادتها ببلدية الخيثر، لمنع الاتصال والدعم، وإضرام النيران في مخزون التموين والعتاد والوقود ببلدية الخيثر وسعيدة، وهي العملية التي تكبدت فيها إدارة المستعمر خسائر باهظة، وزرعت ذعرا وبسيكوزا في أوساط المعمرين والإدارة الإستعمارية، وشرعت على إثرها في عملية تفتيش وبحث للوصول إلى منفذي العمليات الفدائية الثورية. في هذا الوقت بالذات، اجتمعت قيادة حزب الشعب الجزائري وإطارات الكشافة الإسلامية لتقييم العملية وخسائرها ونتائجها لتبليغ قيادة الحزب بذلك، ضمن محضر رسمي يحمل توقيع غالبية القيادة، والذي دونه أحد معلمي القرآن المتعلمين آنذاك باللغة العربية، واحتفظ بنسخة منه في بيته، وسافر لإحدى ولايات الجنوب الجزائري لكسب قوته، لكونه كان يمارس مهنة التجارة، توصلت وقتها مصالح استخبارات الأمن الإستعماري، إلى حيلة جهنّمية لاستغلال الصداقة الموجودة ما بين إحدى السيدات المعمرات، وزوجة معلم القرآن كاتب جلسة محضر اجتماع قيادة حزب الشعب، لتوهمها بأن زوجها معلم القرآن على علاقة غرامية بامرأة أخرى من الجنوب، ويتنقل إليها ويوهمك بالسفر للتجارة، والدليل على ذلك رسائله الغرامية المكتوبة إليها والتي يحتفظ بها بخزانته بالبيت، ونظرا لقلة وعي زوجة معلم القرآن وعدم علمها بأسرار الثورة والشكوك التي وسوست ضميرها، كشفت لجارتها المعمرة خزانة زوجها التي يخبئ فيها وثائق الثورة، لينكشف سرّ مجموعة 18 ماي 45 بعدما سلمت المعمرة نسخة من محضر الاجتماع، فتم القبض على 47 مناضلا من حزب الشعب الجزائري وإطارات الكشافة الإسلامية، وتمت محاكمتهم بوهران، وأصدرت في حقهم أحكاما تتراوح ما بين المؤبد والنفي من ولايتهم مع تجريدهم من كل حقوقهم السياسية والمدنية رفقة مناضلين آخرين من تيارت، معسكر، تلمسان، مستغانم، والقائمة طويلة، ليتم إطلاق سراحهم بعد العفو العام، هكذا عاشت ولاية سعيدة أحداث ماي 45، دون الاقتصار على قالمة، خراطة وسطيف، لتبقى هذه الذكرى تمر كل سنة في صمت رهيب شأنها شأن ذكرى وفاة مؤسس الإدارة الجزائرية سي الحسين أحمد مدغري، وأول مؤسس لمستشفى الثورة الجزائرية الدكتور مولاي الطاهر.