دخل الفاتيكان أمس مرحلة غير مسبوقة يطبعها الترقب لمعرفة اسم خلف البابا بنديكتوس السادس عشر، وذلك غداة إعلان استقالته، في نبأ أثار صدمة كبيرة في العالم. وبينما سلطت استقالة البابا الضوء على مسألة اختيار البابا الجديد من خارج أوروبا التي يقطنها حاليا 25% فقط من الكاثوليك، انطلقت حملة طرح الأسماء المقترحة حتى قبل تحديد موعد المجمع الذي سيتم دعوة 117 كاردينالا ناخبا للمشاركة فيه. وأعلن الناطق باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي أمس أن البابا سيودع المؤمنين خلال لقاء عام في ساحة القديس بطرس في 27 فبراير (شباط) الحالي. واعتبارا من 28 فبراير، سيصبح البابا بنديكتوس السادس عشر الكاردينال جوزف راتزنغر، وعندها تبدأ مرحلة «الكرسي الشاغر». وسيجتمع الكرادلة لانتخاب خلف للبابا إذا أمكن قبل عيد الفصح في 31 مارس (آذار). وخلال هذه الفترة الانتقالية، سيصبح وزير دولة الفاتيكان تارتشيتسيو بيرتوني المسؤول عن الفاتيكان. و هذه سابقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية منذ أكثر من 700 سنة عندما تخلى سلستين الخامس عن منصبه قبل تنصيبه حبرا أعظم في 1294. وعاش معزولا حتى تعيينه بابا وشعر بأنه غير قادر على تولي هذا المنصب. وعلى الرغم من الشائعات عن وضعه الصحي، أكد البابا أنه يستقيل بسبب «تقدمه في السن» ولأن «قواه» لم تعد تسمح له بتولي مهمة رئاسة الكنيسة الكاثوليكية التي يقدر عدد أتباعها بمليار مؤمن. وقال متحدث باسم الفاتيكان أمس إنه تم تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب للبابا بنديكتوس السادس عشر منذ فترة لكنه لا يشكو من أي مشكلات صحية وظل صافيا وهادئا بعد قرار تنحيه. ولم يكن معروفا بشكل عام أنه تم تركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب للبابا البالغ من العمر 85 عاما. وقال الأب فيدريكو لومباردي إنه جرى تغيير بطاريات الجهاز قبل ثلاثة أشهر على أقل تقدير، مشيرا إلى أن هذا تدخل عادي لكن لم يكن له أي تأثير في اتخاذ البابا قراره الصادم بالتنحي. وأضاف في إفادة للصحافيين في الفاتيكان أنه لم يكن لجهاز تنظيم ضربات القلب أي "تأثير على قرار (التنحي). الأسباب تكمن في إدراكه أن قوته ضعفت مع تقدم السن".واختار البابا يوم إعلان استقالته ليكون مصادفا لأول يوم في مرحلة الصيام التي تدوم 40 يوما، وتحديدا يوم اثنين الرماد الذي يعرف باسم أربعاء الرماد في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب عدد من الخبراء في شؤون الفاتيكان وصحيفة الفاتيكان «لوسيرفاتوري رومانو»، اتخذ البابا قراره «منذ أشهر» حتى وإن لم يكشف ذلك إلا لاثنين أو ثلاثة من معاونيه. وبحسب أندريا تورنييلي الخبير في صحيفة «لا ستامبا» اضطر البابا إلى مواجهة الفضائح المتعلقة بالتحرش الجنسي بأطفال من قبل أعضاء في السلك الكهنوتي «بتصميم غير معهود». لكن الضربة القاضية كانت فضيحة فاتيليكس المتعلقة بتسريب وثائق سرية عن دولة الفاتيكان في 2012 والتي كشفت الخلافات والانقسامات داخل الكنيسة. وأشاد عدد من كتاب الافتتاحيات مثل مدير صحيفة «لا ريبوبليكا» ازيو ماورو ب«تحديث» كنيسة يعود تاريخها إلى ألفي سنة. وصرح ساندرو ماجيستر الخبير في قضايا الفاتيكان في صحيفة «ليسبريسو»: «نتجه نحو الولاية البابوية المحددة زمنيا وليس لمدى الحياة». ويشاطره الرأي زميله في صحيفة «ال فاتو كوتيديانو» ماركو بوليتي الذي يشدد على الطابع الاستثنائي لهذا الحدث. وقال: "في مارس سيكون للكنيسة بابوان أحدهما حاكم والآخر فخري. وهذه سابقة في تاريخها". وسيقيم البابا بعد استقالته في الفاتيكان على بعد بضعة أمتار من خلفه في أحد الأديرة حيث سيخصص وقته «للتأمل والصلاة والكتابة» بحسب الفاتيكان. وقال المتحدث باسم الفاتيكان الأب لومباردي أمس إن البابا بنديكتوس سيتنحى تماما عن أي دور له في إدارة الكنيسة بعد استقالته نهاية الشهر الحالي ولن يقوم بأي دور في انتخاب من سيخلفه في المنصب. وفي الأثناء بدأت الحملة لاختيار بابا جديد فعليا حتى قبل تحديد موعد المجمع الذي سيتم دعوة 117 كاردينالا ناخبا للمشاركة فيه. ويتم التداول حاليا بعدة أسماء لخلافة البابا مثل أسقف ميلانو أنجيلو سكولا أو مانيلا لويس أنطونيو تاغل أو ساو باولو كلاوديو أومس أو نيويورك تيموثي دولان أو الكندي المونسينيور مارك ويليه. وسلطت استقالة البابا الضوء في مسألة اختيار البابا الجديد من خارج أوروبا التي يقطنها حاليا 25% فقط من الكاثوليك. وبات المنصب الذي كان ذات يوم يقتصر على الإيطاليين متاحا أمام الجميع الآن على الرغم من أن نحو نصف الكرادلة الذين سيصوتون لاختيار البابا أوروبيون. وتمثل أميركا اللاتينية أكبر كتلة كاثوليكية واحدة بنسبة 42% من الكاثوليك في العالم مما يجعل كرادلة أميركا اللاتينية وكذا الأفارقة في مقدمة المنافسين على خلافة البابا البالغ من العمر 85 عاما. وقد يعمل ارتباط تاغل الوثيق بالبابا بنديكتوس ومواقفه المحافظة في الشؤون الاجتماعية واللاهوتية لصالحه إضافة إلى ما تمثله الفلبين من حصن للكاثوليكية في منطقة أغلب سكانها من الهندوس والمسلمين والبوذيين. ويشعر الكثير من الفلبينيين بأن إقدام الكنيسة على اختيار تاغل الصغير نسبيا في السن (55 عاما) سيكون موفقا. وقال خوسيليتو زولويتا المدرس والصحافي والمحلل في الشؤون الكنيسية بالفلبين: "فرصة الكاردينال الفلبيني ليست كبيرة لكن قد ينظر في اختياره نظرا لما يعرف عنه بإلمامه بالشؤون الداخلية في الفاتيكان وأيضا لكونه من المستشارين السابقين للبابا".وصدرت عن اثنين من كبار مسؤولي الفاتيكان في الآونة الأخيرة وعلى نحو مفاجئ تلميحات واضحة بشأن الخلفاء المحتملين. وخلاصة تصريحاتهما هي أن البابا المقبل قد يكون إلى حد بعيد من أميركا اللاتينية. وقال كبير الأساقفة غيرهارد مولر الذي يتقلد الآن المنصب القديم للبابا كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان "أعرف كثيرين من الأساقفة والكرادلة من أميركا اللاتينية الذين يمكنهم تولي مسؤولية الكنيسة العالمية". وقال كبير الأساقفة المولود في ألمانيا لصحيفة «راينيشه بوست» التي تصدر في دوسلدورف قبل حلول العام الجديد مباشرة «الكنيسة العالمية تعلم أن المسيحية ليست متركزة في أوروبا». أما الكاردينال كيرت كوخ رئيس إدارة وحدة المسيحية بالفاتيكان فقال لصحيفة «تاجيس انتسايجر» في زيوريخ في نفس التوقيت إن مستقبل الكنيسة ليس في أوروبا، وقال: «يحبذ أن يكون هناك كرادلة من أفريقيا أو أميركا الجنوبية في الاجتماع السري المقبل»، في إشارة إلى الانتخابات السرية التي ستجرى في كنيسة سيستين بالفاتيكان. وسئل إن كان سيصوت لصالح مرشح غير أوروبي على حساب الأوروبي إذا تساويا في المؤهلات فقال «نعم». وإذا كان الدور سيكون بالفعل على أميركا اللاتينية في الاجتماع السري المقبل فإن المرشحين البارزين على ما يبدو هما أوديلو شيرر كبير أساقفة أبرشية ساو باولو الضخمة أو الأرجنتيني من أصل إيطالي ليوناردو ساندري الذي يرأس الآن إدارة الكنائس الشرقية بالفاتيكان. أما الغاني بيتر تيركسون الذي يرأس الآن إدارة العدل والسلام في الفاتيكان فعادة ما ترجح التوقعات أنه المرشح الأوفر حظا لأفريقيا. ونحو نصف الكرادلة الذين يحق لهم التصويت من أوروبا على الرغم من أن ربع الكاثوليك في العالم فقط يعيشون هناك. وإذا مالت كفة الاجتماع السري نحو القارة العجوز فإن مراقبين لشؤون الفاتيكان يقولون إن أنجيلو سكولا من ميلانو سيكون في صدارة الترشيحات. كما يعتبر كردينال فيينا كريستوف شونبورن وهو تلميذ سابق لبنديكتوس وحليف وثيق له مرشحا قويا. وبات الخبراء في قضايا الفاتيكان مقتنعين بأن البابا الذي تولى رئاسة الكنيسة في 2005 في سن ال78 اختار الاستقالة في سن ال86 تقريبا ليؤكد للكرادلة على ضرورة اختيار شخص اصغر سنا. ويرى الكاهن الإيطالي أندريا غالو أن البابا بنديكتوس السادس عشر باستقالته وجه رسالة أخرى "انه نظرا إلى الفضائح والانقسام غير الجلي (مع الأصوليين) والتراجع الكبير في الدعوة وشغور الأديرة للرجال والنساء والعدد الكبير من الكاثوليك الذين يتخلون عن الكنيسة في أوروبا والعالم، أدرك أنه يجب معالجة هذه المشكلات بعقد مجمع مصغر هو مجمع الفاتيكان 3".