عم شعور بالاستسلام، اليوم الاثنين، للوداع المحتوم لرئيس جنوب أفريقيا السابق نلسون مانديلا، الزعيم المناهض للتفرقة العنصرية، والبالغ من العمر 94 عامًا، بعد أن تدهورت حالته الصحية. وينظر شعب جنوب أفريقيا، البالغ 53 مليون نسمة، باحترام بالغ ل«مانديلا»، الذي يدعى تحببًا باسم «ماديبا»، باعتباره مهندس التحول عام 1994 إلى ديمقراطية متعددة الأعراق بعد ثلاثة قرون من هيمنة البيض على البلاد، إلا أن دخوله المستشفى للمرة الأخيرة، وهي الرابعة خلال ستة أشهر، عزز الإدراك لفكرة أن مانديلا لن يعيش للأبد. ويُعرَف «مانديلا»، وهو أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، في أنحاء العالم، بأنه رجل دولة رفيع القامة؛ قاد بلاده من إراقة الدماء والاضطرابات إلى الديمقراطية. وولد «مانديلا» في منطقة ترانسكي في 18 يوليو 1919، وبعد قطع دراسته في جامعة «فورت هاري» بعد مقاطعة انتخابات الطلاب، توجه «مانديلا» لدراسة القانون؛ حيث أعال نفسه بالعمل أولا كحارس أمن في منجم للذهب، ثم كوكيل عقاري. وبعد حلول نظام الفصل العنصري عام 1948، تولى مع غيره من الشباب الراديكاليين، قيادة المؤتمر الوطني الأفريقي، وحولوه إلى منظمة سياسية مسلحة. وكان «مانديلا» بين أول من دافعوا عن النضال المسلح، وتوجه للعمل السري عام 1961 لتشكيل الجناح المسلح للمؤتمر الوطني الأفريقي. وفي عام 1962 اعتقل «مانديلا» وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وأثناء قضاء عقوبة السجن اتهم مع زعماء آخرين مناهضين للتفرقة العنصرية، بتهمة الخيانة العظمى، وفي يونيو 1964 حكم عليه بالسجن المؤبد مع الاشغال الشاقة، وأفرج عنه في 11 فبراير 1990، بعد أن رفض المساومة على إطلاق سراحه. وبعد أقل من ثلاثة أشهر، قاد وفدًا من المؤتمر الوطني الأفريقي، في أول محادثات مباشرة مع رئيس جنوب أفريقيا اف دبليو دي كليرك ومسؤولي الحكومة. وأعطى انتخاب «مانديلا» رئيسًا للمؤتمر الوطني الأفريقي في يوليو 1991، حيث حل محل أوليفر تامبو المريض، سلطة أكبر للتفاوض مع الحكومة التي يقودها البيض. ومنح «مانديلا» و«دي كليرك» جائزة نوبل للسلام اعترافًا بجهودهما لإنهاء هيمنة البيض، وتمهيد الطريق لتحول جنوب أفريقيا إلى ديمقراطية متعددة الأعراق. وعلى الرغم من اتهامه لحكومة دي كليرك بعدم فعل ما يكفي لمنع العنف السياسي والطائفي، وافق «مانديلا» على قبول الجائزة كبادرة للتصالح، ثم نصب «مانديلا» رسميًّا أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، وبرئاسته تحقق حلم لم يرد في خاطر ملايين من أبناء جنوب أفريقيا سوى في الأحلام.