"كنت أتمنى أن أقيم له جنازة وأدفنه أمام قبر والده" بهذه العبارة استقبلتنا السيدة فطيمة والدة "بن تيطراوي عمر" المكنى "يحي أبو خيثمة" أمير كتيبة الفتح المقضي عليه ليلة الأربعاء الفارط التي حزّ في قلبها حرمانها من تشييع جنازته. ببلدية قورصو الواقعة على بعد 2 كلم من مدينة بومرداس، بحوش بروك بطريق معبد على طول الكيلومتر من انحراف عبر حي الشاليهات يستقبلك عند بداية الطريق السد الأمني لقوات الحرس البلدي، يقع "حي قدواري" ببناياته الفردية البسيطة عند نهاية هذا الطريق ويعانق بنفحات عبق الحياة الريفية شواطئ مدينة قورصو المتاخمة لشواطئ بودواو، وصلنا الحي الذي تتوسطه المساحات الخضراء وبساتين العنب الفسيحة، لم يكن من الصعب العثور على المنزل باعتبار أن عائلة "بن تيطراوي" من العائلات المعروفة بالمنطقة طرقنا بوابة زرقاء لبيت وسط بنايات الحي، وما هي إلا لحظات حتى وجدنا أنفسنا داخل صالة الضيوف وكرم عائلة اجتمعت أفرادها لمواساة مصاب خالتي "فطيمة" التي شارفت الستين من العمر، استقبلتنا رغم عدم معرفتها بهويتنا وراحت تروي معاناتها بمجرد معرفتنا. " التحق بالعمل المسلح وعمره 16 سنة " تنهدت بعمق عندما سألناها عن آخر مرة رأته فيها في المستشفى تقول "ذهبت لزيارته بمصلحة حفظ الجثث بالثنية، "لقد كان أصغر أبنائي الذكور الخمسة وأعزهم لماذا حرمت من دفنه أمام قبر والده" وتواصل " فقدته منذ 16 سنة عندما كان يبلغ من العمر 16 سنة، وكنت أتمنى أن أقيم له جنازة". طلبنا من خالتي فطيمة أن تعود بنا إلى سنوات الجمر وأيام العشرية السوداء فتقول: "كان ابني "عمر" أصغر أبنائي الذكور الأربعة يدرس في متوسطة قورصو لتنقطع أخباره منذ أواخر سنة 1993، فقدت زوجي الكفيف منذ سنوات أنجبت 4 ذكور و7 بنات، تقول: "البداية كانت مع التحاق أكبر أبنائي "يوسف" بحزب الفيس المحل، ثم بالجماعات الإرهابية لتنطلق معاناة العائلة، لقد فكر "عمر" بالهجرة ولكنه كان مراهقا لم يستطع الحصول على جواز السفر بسبب صغر سنه في أواخر 1993، ومنذ ذلك التاريخ لم أره إلى حين رؤيتي له ممددا بمصلحة حفظ الجثث". وكانت في كل مرة تدخل قريبات العائلة لتقديم التعازي والدة الإرهابي المقضي عليه السيدة "فطيمة" التي اجتمعت مع بناتها السبع في بيتها، ثلاثة منهن متزوجات أما الأخريات ماكثات بالبيت. شقيقه إرهابي تائب استفاد من ميثاق الوئام المدني وفي هذه الأثناء دخل "عيسى" شقيق "عمر" وهو إرهابي تائب يكبر "عمر" بسبع سنوات، يقول: "ذكرت بعض الجرائد أنني قتلت في الجبل، لقد التحقت بالجماعات الإرهابية في 1993 وبمجرد انطلاق حملة الوئام المدني كنت في صفوف التائبين الأوائل". وهنا تتدخل الوالدة التي سردت بطابع فكاهي كيف أنها لم تحضر زفاف ابنها "عيسى" تقول: "عندما سلم نفسه في سنة 2000 دخل عليّ بامرأة وطفلين، وقال لي هذه زوجتي وطفلي "ففهمنا أنه تزوج في الجبل لتضيف "لم أر ابني منذ 16 سنة وآخر اتصال به كان سنة 2000 عندما طلب منه أشقاؤه أن يستسلم في إطار الوئام المدني، فأقسم أنه لن يكون ذلك إلا في نعشه". وتتدخل شقيقته كان ينوي خطبة إبنة إمام...من هي الفتاة التي تقبل به وهو إرهابي مبحوث عنه. ودعنا العائلة التي رغم حزنها لفراق إبنها إلا أنها ارتبطت بأمل وراحة نفس كبيرة باعتبار أنها اعتزمت طي صفحة الماضي بآلامه وربط الآمال على أحفادها الذين رجت من الله أن يكون مستقبلهم زاهر في ظل السلام الذي أضحت تعيشه.