د. محمد الهاشمي الحامدي الإنسان خليفة الله في أرضه، والأرض كلها لله، وهو سبحانه أرشدنا بأدلة كثيرة إلى وحدة النوع الإنساني، وخاطبنا بنداء واحد: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". لذلك، عندما تؤدي ثورة الإتصالات والمعلومات إلى تقارب أكثر بين شعوب العالم، ويتحدث الكثير من الخبراء والساسة عن قرية عالمية واحدة، فإننا نقترب جميعا من المعنى الوارد في الآية الكريمة، الذي يدل بوضوح لا لبس فيه أن الناس جميعا، أسرة كبيرة واحدة، متكونة من شعوب وقبائل، وأن المطلوب هو التعارف والتعاون والتواصل بين هذه الشعوب وليس الإقتتال والحرب والصدام. لذلك فإن العولمة، بمعناها الشفاف الذي يقصد به تقريب المسافات تعزيز أواصر التعاون والتعارف بين دول العالم، ليست مفهوما معاديا للإسلام أو المسلمين، وأولى بنا أن نتلقاها بحبور وسرور، لأنها تقترب بنا خطوة كبيرة من مبدأ وحدة النوع الإنساني. في القرآن الكريم نداءات مباشرة للناس جميعا بصيغة "يا أيها الناس"، و"يا بني آدم"، وفي سورة الإسراء تأكيد لكرامة بني آدم كافة، وليس ملة واحدة منهم "ولقد كرمنا بني آدم". وفيه أيضا تأكيد على أن حكمة الله اقتضت التعددية العرقية والدينية بين الناس، "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة". هذا كله يضع أسس القرية العالمية التي يجب أن يطمح لها المسلم. قرية عالمية تتضامن من أجل السلام، ومن أجل حفظ حقوق الإنسان، ومن أجل العدالة، وتتعاون في مكافحة الأمراض والأوبئة والكوارث، وتتبادل المنافع، خاصة عبر التجارة، من دون حيف أو بغي أو عدوان. من هنا جاءتني فكرة "المواطن العالمي" قبل عقد من الزمان. ومن هنا تأتي فكرة الإنتساب للقرية العالمية. فكرة راقت لي منذ عدة سنوات، فأعلنتها، وتحمست لها، وأسست لها مجلة "الديلوماسي" بالعربية والانجليزية عام 1996، وجعلتها منبرا متخصصا في الدفاع عن فكرة الحوار والتواصل بين الثقافات والحضارات. ولا شك أن لندن جعلتني أكثر حماسا لفكرة القرية العالمية. هذه المدينة المنفتحة على أعراق وثقافات شتى، الفخورة بتعدديتها العرقية والثقافية، والرائدة باحترامها لتقاليد الحرية والتسامح والتعدددية، تقدم نموذجا قريبا مغريا مما يمكن أن تكون عليه القرية العالمية في المستقبل القريب. بوسعنا نحن العرب أن نكون روادا في صياغة ملامح القرية العالمية التي تتشكل أمام أعيننا تدريجيا. والريادة تقتضي منا نبذ التعصب، والتكامل الإقتصادي، والقبول بالتعددية في مجتمعاتنا أولا ثم في الساحة الدولية ثانيا، لأنه لا معنى ولا صدقية لحماستنا للتعددية السياسية والثقافية في العالم إذا كنا نكبت هذه التعددية في مجتمعاتنا ونستخدم كل وسائل القهر والبطش لتحقيق هذه الغاية المخالفة للفطرة الإنسانية.