حاولت الأيادي التي سربت الملف القضائي المتعلق بعمولات الشركات الصينية في مشاريع مختلفة، على غرار مشروع الطريق السيار شرق غرب، مشروع الترامواي ومشاريع المياه، والموجود حاليا بين يدي العدالة، إعطاء انطباع حول وجود ''مافيا'' في المناصب العليا للدولة، هي المتورطة في قضايا العمولات. ولم يظهر القائمون على دراسة الملف مدى الضرر الذي ألحقته هذه العمولات، سواء بالشركات المعنية أو بالخزينة العمومية، التي لم تعلن تضررها، إذ لم تودع أي شكوى في هذا الشأن، كما لم تشْكُ الخزينة العمومية تضررها من القضية باعتبارها بعيدة كل البعد عن الأموال التي ضُخت في المشاريع التي تكفلت بها الشركات الصينية التي قدمت هذه العمولات لمحتالين في الجزائر انتحلوا صفة رسمية!وبالمقابل، يؤكد الملف القضائي أن العمولات التي يتحدث عنها المتورطون في القضية لا يعني إطلاقا مشاريع الطريق السيار الذي بدأ سنة 2006 بل تخص مشاريع مستقبلية لم تطرح بعد بشأنها أي مناقصة، لا وطنية ولا دولية، بدأ الحديث عن العمولات بشأنها سنة 2007 و2008.بالمقابل، تقول مصادر قضائية اطلعت على الملف، أن الملف كله والقضايا مدمجة تخص انتحال بعض الإطارات، ومنهم ضباط في الجيش، صفة رسمية بغرض الحصول على عمولات من الشركات الصينية، موضحة أن الجهات القضائية التي سربت الملف سواء كان محاميا أم قاضيا عمل على تسييس القضية، وتحويل الحكومة الجزائرية إلى ما يشبه ''عصابة مافياوية'' تسعى لإغراق السوق الوطنية بالرشاوى، مع أن التعامل بالعمولات في القوانين الغربية غير ممنوع، ليضيف المصدر أن إيداع إطار في الدولة رهن الحبس أو إدراجه في قضية بسبب قارورة عطر قيمتها 1000 دينار، مقارنة بقيمة المشروع التي تجاوزت 11 مليار دولار، يعد أمرا غير منطقي إلا إذا كانت الجهات المعنية تسعى لإلحاق الضرر بفئة معينة أو ضرب سمعة المؤسسات المكلفة بالإنجاز، وهي في الحقيقة كلها مؤسسات صينية تحصلت على المشاريع بناء على مناقصات قانونية، وبطرق قانونية.وربطت بعض الدوائر هذه الحملة الشرسة التي يتعرض لها مشروع القرن بالجزائر، بمحاولة بعض الجهات الفرنسية والأمريكية النيل من المشرفين عن المشروع بعد أن فشلوا في الحصول على شرف إنجازه، ومحاولة هذه الجهات الحصول على استثناءات وامتيازات تكون لهم باعتبارهم -حسب ما ألفوا- أوصياء على الجزائر ومشاريعها، بعد أن ألفوا الحصول على كل المشاريع لوحدهم دون منازع، وهو ما انساقت له بعض الجهات من المطبلين للتشكيك في المشروع وجعله قضية لن تخدم سوى الجهات التي ترغب في تحويل الجزائر إلى محمية فرنسية. .. ''فالكون'' الوجه الآخر لمحاولة تغذية فكرة ''حكم المافيا'' أوردت التحقيقات التي باشرتها مصالح الأمن والعدالة في القضية، اسم الفرنسي المدعو بيار فالكون الذي اقترن اسمه بفضيحة السلاح بين فرنسا وأنغولا، حيث تم إقحام اسمه في صفقة الطريق السيار شرق غرب.حيث أشار أحد المتهمين إلى أن هذا الأخير كان وراء نيل المجمع الصيني ''سيتيك سي ار سي سي'' لصفقة الطريق السيار شرق غرب، ولم تتوقف الشهادات عند توسط بيار فالكون للصينيين، وإنما تعداه إلى القول بأن فالكون حضر مجلسا وزاريا مشتركا لوزراء الخارجية الأشغال العمومية والطاقة والمناجم، لكن تبين لاحقا أن ذلك لم يكن صحيحا وأن الذي أورد ذلك حاول تحويل التحريات التي قامت بها مصالح الأمن باتجاه الإساءة إلى الاجتماعات الرسمية ومنها المجالس الوزارية المشتركة التي لا يحضرها الأجانب في كل الحالات. جزائري قلّده ساركوزي وسام الشرف الفرنسي.. ليس متهما ولا شاهدا! أوردت التحقيقات التي باشرتها العدالة في قضية صفقات الطريق السيار شرق غرب، اسم المدعو دحمان عبد الرحمن، الذي يشغل منصب مفتش بوزارة التربية الفرنسية، وتلقى نياشين استحقاقا من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وقد ذكر اسم الرجل في ملف العمولات التي كان قضاؤها نظير الحصول على شقة بحي مالكي بالعاصمة، إذ أشار التحقيق إلى الرجل بصفته شارك في العمولات، دون أن يستدعى لا كمتهم ولا كشاهد في القضية. بالمقابل، أوعزت مصادر على صلة بالملف، تلاعب الجهات الفرنسية بالملف ومشاركتها في العمولات لحاجة في نفس يعقوب، هي محاولة إلحاق الضرر بالشركات الصينية من خلال توريط عدد من الفرنسيين، ثم تفجير القضية فيما بعد، وكان دحمان قد استقبل رفقة قناصلة الجزائربفرنسا، من قبل سفير فرنسابالجزائر، وهي سابقة من نوعها، إذ أقيمت على شرفهم مأدبة العشاء جاءت على نحو غريب، كون السفير الفرنسي ليس من صلاحياته توجيه عمل قناصلة الجزائر في الخارج، وهي القضية التي طرحت أكثر من علامة استفهام في السابق، وقد يكون لها نصيب من القضية الحالية. دليلة. ب خزينة الجزائر لم تخسر شيئا من العمولات الصينية إن كل التقارير الرسمية والتحقيقات التي فُتحت في مجال العمولات التي تدفعها الشركات الصينية مقابل الحصول على معلومات معينة أو الوساطة للحصول على مشروع لم تثبت خسارة للخزينة العمومية ولو بدينار جزائري واحد، وكلها عمولات قدمتها شركات صينية من أموالها الخاصة لشخصيات محتالة للحصول على مشاريع مستقبلية في الجزائر.كشفت التحقيقات القضائية التي فُتحت حول تعاملات الشركات الصينية أنها دفعت عمولات من خزينتها الخاصة في الصين، أي من أرباحها أو ميزانيتها لبعض المسؤولين المحتالين، منهم إطارات في الأمن والمؤسسات السيادية الذين تقدموا رفقة رسمية لديهم لطلب عمولات مقابل عدم عرقلة مشاريعهم بالجزائر، وهو ما يؤكد أن الشركات الصينية تدفع عمولات، وهو أمر يسمح به القانون الصيني مقابل عدم تعرض مصالحها في العالم للضرر من طرف المحتالين والمسؤولين المرتشين، لكن هذه العمولات لا تقدم مقابل تغيير في دفتر الشروط وغض البصر عن تجاوزات تقوم بها الشركات الصينية كما تفعل الشركات الأوروبية والفرنسية، خاصة التي تقدم ''رشوة'' مقابل تعديل نقطة معينة في دفتر الشروط لتكييفه على حساب مقاساتها، وبذلك فهي تتسبب في الضرر بالاقتصاد الوطني والخزينة العمومية، عكس الشركات الصينية التي لا تلجأ إلى مثل هذه الممارسات، لأنها تعمل وفق أنماط اقتصادية أخرى لم يكتشفها بعد العالم الأوروبي.من جهة أخرى، لم يسبق وأن رفعت شركة صينية شكوى أمام العدالة بسبب هذه الممارسات، لأنها أصلا ليست ضحية ولم تتضرر لأنها تلتزم بهامش ربح معقول ويمكنها دفع عمولات معقولة مقابل ضمان سير المشاريع، خاصة فيما يتعلق بعدم تعطيلها لتسلم في التواريخ المحددة في دفتر الشروط، لأن السمعة جد مهمة في نظر الصينيين، غير أن ما يقوم به المسؤولون الجزائريون حول إشاعة وجود تقاليد وأعراف يستفيد من خلالها جهاز الأمن أو الجيش من نسب معينة من حصص الشركات الأجنبية في السوق الجزائرية فهذا ما يضر بالجزائر واقتصادها. سامي سي يوسف