خلال 68 دقيقة، حاول عبد المجيد تبون، إقناع الجزائريين بكونه الأنسب لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، فركز على أهداف لكنه أهمل أخرى. بداية، ومن حيث الشكل، خاطب الوزير الأول الأسبق جمهور الناخبين الجزائريين، في معظم كلامه باللغة الفرنسية. وقد يعذر من يعرف سيرة تبون بعد حديثه بالفرنسية، لإدراكه بأنه خريج المدرسة الوطنية للإدارة، قبيل دخول البلاد مرحلة التعريب. غير أن راغب في الترشح للرئاسيات، يحاول إقناع الناخبين بتصوراته وبرنامجه، كان عليه أن يدرك بأن من يغازلهم، السواد الأعظم منه درسوا بالعربية. وحتى من يفهمون اللغة الفرنسية أو يتحدثون بها، لا يمكنهم تجاوز مسألة رمزية وعاطفية، باتت متداولة هذه الأيام. فمنذ انطلاق شرارة الحراك، بات الشارع الجزائري ينبذ كل ما يرمز للمساس بالسيادة الوطنية أو متصل ب”حزب فرنسا”. تردُّد بسبب قضية “الخليفة” تبون ظهر أيضا غارقا في تناقضات، ربما أنساه عنها حرصه على محو أي رابط قد يُذكّر الجزائريين بعلاقته بالنظام السابق. فكان المترشح للرئاسيات يقول تارة كلاما، ثم يتراجع عنه تارة أخرى… في المرة الأولى، عندما تلقى سؤالا حول مطلب إعادة فتح ملف الخليفة، حيث رفض تبون وبشكل سريع الرد على السؤال. واختصر تبون كلامه بالقول أن “قضية الخليفة فزاعة وسأتكلم عنها في الوقت المناسب”. غير أنه وبعدما أجاب على أسئلة أخرى، عاد للحديث عن الموضوع وقال إنه سيجيب على السؤال. وبدا من خلال ذلك التردد، وجود تخبط، أعقبه إحساس من المترشح بأنه ترك ثغرة في خطابه يمكن لمنافسيه استغلالها. ويدرك الجزائريون أن لقضية الخليفة علاقة بشخص تبون، الذي مثل في محاكمته الأولى، بصفته شاهدا. ويتذكر الجزائريون كيف أن تبون قال في المحكمة بأول جلسة أنه لم يسبق أن التقى الخليفة، لتفاجئه الصحف في اليوم الموالي بصورتهما معا. تبون يتراجع عن كلامه حول قضية “البوشي” المترشح تبون وقع في تناقض آخر، عندما تحدث عن قضية اتهام ابنه “خالد” في ملف المتهم الرئيسي بقضية الكوكايين “البوشي”. وقال تبون هذه المرة، أنه يحترم قرارات العدالة ولا يعلق عليها، مستدركا بذلك خطأ وقع فيه قبل أيام. وكان تبون قد صرح خلال قيامه بسحب استمارات الترشح، أن سجن ابنه كان عبارة عن محاولة لاستهدافه هو شخصيا. ولا يمكن فهم تلك التصريحات سوى أنها كانت عبارة عن تعليق على سير تحقيقات للعدالة، في قضية ما تزال تخفي أسرارا عظيمة. وعندما شرع تبون في سرد روايته لسفره إلى فرنسا، بعد خروجه في عطلة، حرص على الظهور بأنه يتذكر دقائق الأمور. غير أنه بعدما تحدث عن الطلب الذي وجهه لرئاسة الجمهورية بشأن مقابلته لنظيره الفرنسي، راح يقدم أرقاما ثم يسارع لتصحيحها. في المرة الأولى، قال تبون إنه يتذكر جديا تفاصيل ما حدث، بالتدقيق وبالساعة والدقيقة. وراح تبون يقول أنه تلقى ردا على طلبه بعد 20 دقيقة من تقديمه… لكنه عندما شرع في الاسترسال، قال إنه تلقى الرد بعد 35.. لا بل 25 دقيقة! خطاب انتخابي باستعمال “الشرّات”! ولفت تبون الانتباه في خطابه، بأنه حريص على عدم تسمية الأشخاص بأسمائهم، وراح يتحدث بالإيحاءات و”المعاني”، مجاهرا بأنه يتعمد ذلك. ولم يذكر تبون أويحيى ولا حداد ولا السعيد بوتفليقة بالإسم، كما أنه تعمد عدم ذكر اسم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة. وبدا من خلال تلك الإيحاءات، نقائص في لغة صاحب الخطاب. فيفترض أن من يحاول استمالة الناخبين، يعتمد على الصراحة والمكاشفة ولغة الحزم والعزم، وليس على كلام “المعاني”، ليتهرب صاحبه من أية مسؤولية. وكان آخر ما يمكن أن يلفت انتباه الجزائريين إلى حديث تبون، هو عندما استهل خطابه بوصف نفسه بأنه رجل صريح، وملتزم بكلامه. حينذاك، تفوه المترشح للرئاسيات بعبارة “الراجل يتعلق من لسانو.. والكلمة اللي ينطق بيها لازم يوفي بيها”. ويمكن أن تكون تلك العبارة رنانة وساحرة بالنسبة للبعض، خصوصا لدى كبار السن ومحبي أحاديث ناس زمان. غير أن تلك العبارة يمكن أن تُستعمل ضد تبون، الذي بات الجزائريون يصفونه بأنه المترشح لانتخابات 2019 الذي لم يُنجز سكنات وعد بها في 2001.