السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا سيدة من بسكرة، مشكلتي يا سيدة نور أعاني منها منذ فترة طويلة، علما أنّي متزوجة وأم، أمارس حياتي بشكل طبيعي، لدي مشاكل خاصّة، ولكن بالصّبر أتحملها وأتجاوزها، لكن ما لا أستطيع تجاوزه هو العيش في عالم آخر غير عالمي، حتّى تفشى هذا الأمر وأصبحت أهيم في خيالي عند أي موقف، وأنسج أحداث وأحداث، لو ترجمت لروايات لتفوقت على كل الروايات. أصبحت هذه الخيالات تجذبني من حياتي الواقعية، وأجد راحتي فيها، فأي شيء يعجبني أو أتمناه أسرده في خيالي بسيناريو وحوار و أحداث، وأجد لذة في ذلك وأستمتع به، فكم أحببت في خيالي وكم سافرت وكم أبدعت. أنا في خيالي شخص آخر، وانعكس هذا الأمر على سلوكي، فأنا أتقمّص هذه الشخصيات وأعيشها في كل موقف شخصية مختلفة، وأجيد ذلك ولا أخطئ أبدا، فكل شخصية تعيش في معزل عن الأخرى، أنا لا أتسبّب في الضّرر لأحد، ولكن لا أدري أجد متعة فيها، ولا أدري لما أفعل ذلك؟ من الممكن أن يأخذني هذا الخيال لساعات و ساعات وأيام وأيام، حاولت أن أستثمر خيالي هذا في كتابة روايات، ولكن لم أجد متعتي في ذلك فالعيش مع هذا الخيال ألذ من كتابته. أحيانا أستيقظ من خيالي وأرفض هذا الأمر، و أقول لنفسي بصوت مرتفع هذا أنت وكفى، أتوقف ولكن بعد فترة وجيزة، وبعد أي موقف أو حدث يثيرني، أبدأ لا شعوريا بسرد الخيالات تلو الخيالات فانزوي بعيدا، واطفئ الأنوار لأسبح في خيالي مع أحداثي حتّى يغلبني النوم، ويستمر معي الأمر عدّة أيام أعيش في بيتي جسدا وروح و لكن تفكيري يسبح في ملكوت آخر تعبت من هذا الوضع، فهل أنا مريضة أرشديني سيدتي الكريمة. أم نسرين الرد: الخيال شيء طبيعي عند كل إنسان، يزداد وينقص حسب ظروفه وتطلعاته في الحياة، فقد يأخذ الإنسان دورة حول الأرض، يغوص في البحار، ويتسلق القمم الشاهقة، ويسرح في الحقول والوديان، بينما هو جالس أمام التلفاز يشاهد فيلما عن الطبيعة، وقد يستمتع بمواقف بطولية يتمنى أن يعيشها، ويتصور أنّه يمتلك قوى خارقة يصنع المعجزات، ويحقّق ما يتمنّى، ويبعد عن نفسه ما يكره، لكن ذلك في الواقع مجرد أحلام اليقظة، التي لا تغير من واقعه شيئا. قد تتمنّى فتاة أنّها تمتلك قصرا، يطل على بحيرة هادئة، تحيط بها حدائق جميلة، فتسرح في تفكيرها وكأنّها فعلا تعيش في ذلك القصر، تمتطي الخيل وتصطاد السّمك وتشم الزّهور وتقطف بعضها، وتستمتع بزقزقة العصافير، وتحتسي فنجان القهوة وهي جالسة في تلك الشّرفة الواسعة، بينما في الحقيقة هي جالسة على كرسي في غرفتها الضّيقة، وأمامها كتابها الذي تراجع فيه استعدادا للإمتحان في اليوم المقبل. وربما تبقى هذه الفتاة تشعر بلذة ما عايشته في مخيلتها، وقد تعاود الحلم مجددا بتفاصيل جديدة، ولكن السؤال: هل يغير ذلك شيء من واقعها؟ بالطبع لا، بل ستكتشف أنّها أضاعت على نفسها وقتا ثمينا، كان يمكنها أن تستغله في الدّراسة. عزيزتي؛ إنّ هذه الفتاة هي في الواقع أسيرة أحلام قد لا تتحقّق، ولأنّها كذلك فهي لا تسعى للإستفادة من قدراتها وطاقاتها لتحسين واقعها وتطويره، فالسّعادة ليست بالتّمني وإنما بالعمل، فالفلاح الذي يجلس وسط أرضه ويتصور أنّها بستان مليء بالأشجار المثمرة، لن يجني غير الحسرة، ما لم يسع إلى زراعتها وسقيها والحرص عليها. المهم أن يكون الإنسان واقعيا في حياته، يحلم ويتمنّى، ولكنه أيضا يخطّط ويعمل وينتج ويطور على أرض الواقع، وليس فقط في مخيلته التي لا تتوقف عند حد ذلك. عزيزتي الآن فورا عليك باستشارة مختص نفساني، إذا كان الأمر بوسعك وإلاّ عاودي الإتصال بي لكي أتابع حالتك. ردت نور