- مواطنون يدفعون ثمن سذاجتهم ولصوص يرتكبون أبشع جرائم القتل لم تعد عصابات سرقة السيارات تكتفي في يومنا هذا بالسطو على معدات معينة أو تجهيزات بسيطة في المركبات فقط، بل باتت تستولي على السيارة كاملة، لتقوم بتفكيكها وبيعها في شكل قطع غيار مستعمل أو استغلالها في النشاطات الممنوعة كتهريب المخدرات والأسلحة، إلا أن هذا الأمر ليس بالجديد هو الآخر، ولم تعد هذه العصابات تقتنع بالعائدات البسيطة التي تجنيها من الأسلوبين السابقين، الأمر الذي ساهم في بروز شبكات مختصة احترفت تجريد المواطنين من مركباتهم في وضح النهار وأمام مرأى الجميع، وذلك بالموازاة مع الإستحواذ على وثائقها خلال نفس العملية، ممّا يسهل عليها تزوير الملفات الإدارية فيما بعد وإعادة بيعها مجددا على أساس سيارات عادية، بدون إثارة شكوك المشترين الذين يصعب عليهم اكتشاف التزوير للوهلة الأولى. غير أنّ هذه العصابات وحتى تتمكن من إصابة عصفورين بحجر واحد، انصب تفكيرها على ابتكار عدة أساليب وحيل مختلفة تساعدها على تحقيق أهدافها بطريقة سريعة وفي لمح البصر، بما يجعل صاحب السيارة يبقى ساكنا في مكانه ومذعورا مما يحدث له، نظرا إلى إحكام المكيدة وصعوبة استيعاب ما يجري على الفور، في حين أنّ البعض منها يفضل انتقاء نوع ضحاياه وحصرهم في فئة النساء والمسنين ممن يسهل التغلب عليهم جسديا، بينما لا يتردد البعض الآخر من هؤلاء المجرمين، في إزهاق روح ضحاياها حتى يتمكن من الاستحواذ على المركبة، ولهذا حاولت ''النهار'' جرد بعض الأساليب التي سجلتها المصالح الأمنية في الآونة الأخيرة، لفضح هذه الممارسات، و المساهمة بذلك في الحيلولة دون وقوع جرائم أخرى بنفس الطرق. إلصاق ورق في الزجاج الخلفي للسيارة لإشغال صاحبها وتشير المعلومات التي استقتها ''النهار'' بناء على آخر القضايا المعالجة من قبل مصالح الأمن المختلفة، إلى بروز نمط جديد في سرقة السيارات يعتمد على الحيلة والمكيدة أكثر منه على العنف والقوة، وينطبق على فئة الرجال أو النساء، بحيث يقوم هذا الأسلوب على إيهام الضحايا بوجود عطب ما أو عائق خارجي يعيق تقدم المركبة، مما يجبر صاحبها على النزول منها والإنشغال بإزالته، وفي هذا الإطار، تختار هذه الشبكات العربات المركونة في المستودعات أو المواقف بشكل يستلزم الرجوع إلى الخلف لإخراجها، لتقوم بإلصاق ورقة من الحجم المتوسط في الزجاج الخلفي للسيارات بما يعيق الرؤية، ليتفاجأ صاحب السيارة فور ركوبها وتشغيل محركها وبالتحديد عند محاولته الرجوع إلى الوراء، بوجود حاجز يعيق تقدمه، لينزل بكل بساطة تاركا وراءه وفي كثير من الأحيان محرك السيارة يعمل ووثائق السيارة داخلها، ويتجه إلى خلفية المركبة لإزالة الورقة، وهي الفرصة التي يتحينها أفراد هذه العصابات لينقضوا على المركبة ويفرون بسرعة في اتجاه مجهول، حتى وإن اقتضى الأمر إيذاء صاحب المركبة الذي يكون منهمكا في إزالة العائق، وبذلك تكون هذه العصابة قد نجحت في وضع يدها على السيارة، وغالبا ما تكون مرفقة بوثائقها خاصة في حالة النساء اللواتي يتركن حقائبهن وراءهن. ولتفادي الوقوع في هذه المصيدة، تنصح مصادر أمنية أصحاب السيارات الذين يجدون أنفسهم عرضة لهذا الموقف، بالحفاظ على هدوئهم والتأكد من إقفال جميع أبواب السيارة بإحكام، ومن ثم الشروع في العودة التدريجية إلى الخلف حتى وإن استغرق ذلك بعضا من الوقت الإضافي، لأن ذلك لن يكون له أي تأثير على أمنهم ما داموا داخل السيارة، كما أنه يقع عليهم عدم الوثوق حينها بأي شخص من المتواجدين بعين المكان، خاصة ممن لا يعرفونهم، والتوجه بعدها إلى أقرب مكان عمومي، حيث يمكنهم إزالة الورقة في أمان. المسنون والنساء الهدف المفضل وإذا كان بعض هذه العصابات تلجأ إلى التفكير المطول في إعداد خطتهم والتحضير لها، فإن البعض الآخر لا يكلف نفسه عناء ذلك، ويفضل الإعتماد على القوة والإكتفاء باختيار نوع ضحاياه من الأشخاص المسنين أو النساء من اللواتي يسهل التغلب عليهن وبالخصوص أولئك الذين يتركون داخل المركبة بينما ينشغل السائق خارج السيارة في قضاء حاجياته أو شراء بعض الأغراض، تاركا محرك السيارة مشتغلا، وهي الفرصة التي تنتهزها هذه الشبكات للصعود في المركبة والإفلات بها، ليتم لاحقا التخلص ممن يتواجد على متنها، فور تجاوز بعض الكيلومترات من مكان ارتكاب الجريمة، ورغم أن هذا الأسلوب يبدو بدائيا ومستبعدا في تصور الكثير، إلى أن التقارير الأمنية والقضايا المعالجة في هذا السياق تثبت العكس، بحيث تشير المعلومات المتوفرة لدى ''النهار''؛ أن هذه الطريقة هي نفسها التي انتهجتها عصابة مختصة في سرقة السيارات، متكونة من 4 أربعة أشخاص كانوا ينشطون في الأماكن العمومية عبر إقليم العاصمة وتحديدا بكل من القبة، درارية، الحراش وبن عكنون، قبل أن يتم الإيقاع بهم من قبل مصالح الشرطة القضائية لحسين داي مطلع الشهر المنصرم، إثر الإطاحة بثلاثة من أفرادها والذين تتراوح أعمارهم بين 29 سنة و 42 سنة ومطلوبين من قبل العدالة الجزائرية لتورطهم في قضايا مخدرات، فيما لا يزال أحد أفراد العصابة في حالة فرار. ومن بين ضحايا هذه العصابة -حسبما أوردته مصادرنا- امرأة تملك سيارة بيجو 207 اتجهت بتاريخ 26 جانفي 2011 إلى عيادة معالجة مرضى السكر بالقبة لنقل والدها المريض، وكانت برفقة والدتها التي بقيت في السيارة، في حين دخلت الضحية إلى العيادة، عندها قام أفراد العصابة بقيادة السيارة والعجوز بداخلها وساروا بها مسافة معتبرة، ليقذفوها عقب ذلك من السيارة في طريق بن عكنون وانطلقوا بسرعة إلى وجهة مجهولة، وفي 3 فيفري 2011 سجلت مصالح الأمن حادثة سرقة مشابهة أمام محل شواء بدرارية بنفس الطريقة، حيث كانت سيارة من نوع ''بولو'' بيضاء اللون على متنها امرأة وزوجها، أين نزل هذا الأخير من السيارة لاقتناء الشواء، فهجم المتهمين على السيارة التي كانت متوقفة بجوار المحل وقادوها باستعمال المفاتيح التي كانت فيها والسيدة لا تزال على متنها ومن شدة خوفها رمت بنفسها من السيارة في الطريق العام، أما الضحية الأخير والذي سرقت سيارته ''سامبول'' من أمام منزله بالحراش، بعد أن شغل المحرك وتفطن إلى أنه نسي وثائقه، فعاد أدراجه إلى المنزل ولما رجع لم يعثر على السيارة. من المواطنين من يدفع ثمن سذاجته أو إنسانيته.. غير أنه، وعلى خلاف الحالات التي يتم اللجوء فيها إلى القوة والعنف، قد لا يستدعي الأمر كل هذا العناء خاصة عندما يضع مالك السيارة مركبته على طبق من فضة سهل الإستيلاء عليه من قبل اللصوص، ليدفع بذلك ثمن سذاجته وتهاونه في اتخاذ الإحتياطات الضرورية، وهو حال المتعودين يوميا على روتين معيّن، كالتوقف لشراء القهوة والجرائد، أو التبغ أمام محلات مجاورة لحيهم، مع ترك المحرك مشتغلا، الأمر الذي يمكّن أفراد شبكات سرقة السيارات من رصد تحركات هؤلاء الأشخاص قبل الإنتقال إلى تجسيد فعلتهم بعد المراقبة الطويلة. وفي ذات السياق، قد تختلف الأساليب المتبعة من قبل هذه العصابات، إلا أن الهدف يبقى واحدا وهو نفسه ''سرقة السيارة''، ولهذا الغرض لا يتردد هؤلاء اللصوص في الإستعانة بخدمات أشخاص مسنين مقابل مبلغ معيّن من عائدات الصفقة، حيث يوكل لهؤلاء الشيوخ دور الإستلقاء أو التمدد على الأرض بما يوحي تعرضهم إلى وعكة صحية أو إرهاق شديد، يستدعي إسعافهم ونقلهم إلى المستشفى، مما يجعل البعض من السائقين يتخلون عن مركباتهم ويتدخلون لمساعدتهم من باب الشفقة والإنسانية، قبل أن ينقضّ باقي أفراد العصابة على المركبة ويفروا بها بسرعة، حاملين معهم جميع الوثائق اللازمة. جرائم قتل بشعة.. من أجل سيارة! وبالرغم من أن كل هذه الأساليب تبقى غير مبررة مادمت النتيجة التي تصب فيها غير شرعية، إلا أنها تهون ويقل وقعها إذا ما قورنت بإزهاق روح بشرية مقابل الحصول على السيارة، فللأسف تبدو الأرواح زهيدة بالنسبة إلى البعض، عندما يتعلق الأمر بالإستيلاء على شيء معيّن مهما كانت السبل المؤدية إلى ذلك، وهو السبيل الذي سلكه شاب في الواحدة والعشرين من عمره، طمعا منه في سرقة سيارة من نوع ''بيجو 308''، والتي خطط لبيعها بعد اغتيال صاحبها والحصول على وثائقها، فالجريمة الشنعاء التي اهتزّت على وقعها مطلع الشهر المنصرم بلدية السويدانية غرب العاصمة، ما هي إلا دليل على تنامي العصابات التي ترسم لاغتيال ضحاياها وتجريدهم من مركباتهم. حيث تبرز حيثيات القضية كيفية تدبير شخصين لاغتيال صاحب وكالة تأجير السيارات يقطن ببومرداس من مواليد سنة 1923 متزوج وأب لطفلين، وهو صاحب وكالة خاصة لكراء السيارات، والذي تم الإعتداء عليه بطريقة وحشية في ضواحي منطقة السويدانية، بهدف الإستيلاء على مركبته، قبل أن يتم التنكيل بجثته والتخلص منها في إحدى بالوعات صرف المياه. حيث كشفت التحريات بشأن الجريمة التي تم اكتشافها بعد يومين من تاريخ وقوعها في 8 فيفري الجاري، أن المدبر للعملية هو شاب يبلغ من العمر 21 سنة، ينحدر من عائلة متوسطة ومقدم على فتح محل لبيع المأكولات، خطط للعملية منذ تعرّفه على الضحية قبل 3 أشهر من اقتراف فعلته التي أراد من ورائها الإستحواذ على السيارة، حيث تقدم منه لأول مرة بأحد المطاعم الكائنة باسطاولي، بحجة رغبته في شراء العربة، أين تبادلوا أرقامهم الهاتفية، والتي ظل يتواصل معه من خلالها على أساس مساعدته للحصول على مركبته. وأثناء التحقيق مع المتهم أكد أنه لم يكن لوحده عند اغتيال الضحية، كاشفا عن هوية أحد شركائه الذي استنجد به للتخطيط للجريمة وارتكابها، باعتباره مختصا في بيع وشراء السيارات، قبل أن يتم توقيفه صبيحة 13 فيفري الجاري بمسكنه الكائن بنواحي بلدية اسطاوالي، أين تم العثور على مفاتيح السيارة داخل جوارب المتهم، إلى جانب القميص والحذاء الرياضي المستعمل في الجريمة. وبعد التفتيش الموسع للحي تم اكتشاف السيارة المسروقة من نوع ''بيجو 308''، مركونة في أحد الأحياء المجاورة، والتي لاتزال تحمل آثار الدم.