كثيرا ما تطالعنا الصحف بشكل يومي، عن حالات انتحار لأشخاص في مناطق مختلفة لأسباب متباينة، حيث أخذت الظاهرة منحى تصاعديا يعكس الواقع الاجتماعي المتردي لدى الجزائريين، وهي سابقة لم تكن معهودة في مجتمعنا المحافظ. ''النهار'' ومن خلال هذا ''الروبورتاج''، حاولت تسليط الضوء على الأسباب التي تدفع بالجزائريين إلى اختيار الانتحار للهروب من أزماتهم التي يعيشونها، والتي تنوعت بين المشاكل الاجتماعية كالبطالة والسكن، وبين ''الحقرة''، وصولا إلى الصدمات العاطفية، لتنطبق عليهم بذلك ما جاء في أغنية الراي المعروفة ''جوزيفين''. عائلات تُخفي خبر انتحار ذويها خوفا من الفضيحة في البليدة بغرض تشريح أسباب الانتحار ولتبيان حقائقه، ''النهار'' زارت مختلف المراكز الاستشفائية وأقسام الشرطة، لمتابعة أحوال من حاولوا الانتحار، ومحاورة عائلاتهم، وكانت أول محطة زرناها مستشفى ''فرانتس فانون'' في البليدة، حيث حاول قاصر يبلغ من العمر 14 سنة، الانتحار بتناوله لجرعات كبيرة من البنزين، بسبب رسوبه في إحدى المواد التعليمية، وخوفا من توبيخ والدته أراد الانتحار قبل أن تعاقبه، حسب تصريحاته ل''النهار''، حيث التقينا به رفقة والدته ببهو الاستقبال، ينتظر طبيبته النفسانية التي تتابع حالته الصحية عن قرب، تقربنا منه وعلامات الخوف والتردد بادية على وجهه، سألناه لماذا هو متواجد بالمستشفى، فأجابنا أنه حاول الانتحار خوفا من معاقبته من قبل أوليائه، وعندما سألناه: هل سيفعلها ثانية، طأطأ رأسه من دون أن يردّ علينا. كما علمنا من الجهات المسؤولة في المستشفى، عن استقبال مصلحة الاستعجالات لحالات مماثلة، منها من تنجو في آخر لحظة، وهناك آخرون فارقوا الحياة. وفي بعض الأحيان، تأتي حالات مؤكدة أنها انتحار، إلا أن الأولياء وخوفا من تسرب المعلومات إلى الأقارب، يفضلن الإجابة أنه خطأ لا غير. ينتحر ببندقية أبيه بعد استيلاء أشقاءه على أمواله في البليدة قصة المرحوم ''ب. ب''، القاطن بحي دريوش، الذي أقدم على الانتحار ببندقية والده، بسبب عدم حصوله على العمل، وحسب تصريحات شقيقه ''سعيد''، فإن شقيقه الضحية البالغ من العمر 26 سنة، انتحر منذ أزيد من 8 أشهر، بعدما خاب أمله في الحصول على وظيفة. وغير بعيد عن الولاية التي شهدت عدة مآسي، نذكر مأساة فريدة من نوعها، وهي قصة ''ك. م'' 22 سنة، القاطن بضواحي الأربعاء، الذي وضع حدا لحياته نتيجة قهر أشقائه له، حيث كان يجني أمواله من عائدات بيعه للأغنام وألبانها، في حين كان أشقاؤه ينتهزون الفرصة للإستيلاء على أمواله، مما جعله يدخل في ملاسنات كلامية معهم ليلة الحادثة، ليصوب بندقية والده ناحية رأسه، حيث اخترقتها رصاصة واحدة كانت كافية لإزهاق روحه، بسبب طمع وجشع أشقائه. شابة تغادر العنوسة بإطلاق النار على نفسها ومن منطقة النائية، وصلتنا قصة فتاة انتحرت بسبب العنوسة، توجهنا حوالي 50 كلم خارج الولاية، لنقابل والد الضحية الذي رفض التحدث إلينا في بادئ الأمر، مصرحا بأن ابنته منذ حوالي السنتين أقدمت على قتل نفسها، قائلا لنا: إن عائلته في ذلك اليوم، حضرت زفاف إحدى قريباته، وفي حدود الساعة السابعة مساء بينما هو جالس أمام باب المنزل، سمع إطلاق صوت الرصاص منبعث من داخل مسكنه، ولدى دخوله تفاجأ بفلذة كبده تصارع الموت، وقبل أن تفارق الحياة بين ذراعيه أخبرته بأنها انتحرت لأنها لم تتزوج ولم يتقدم أي عريس لخطبتها، بينما جميع قريباتها حظين بفارس الأحلام. هذه الكلمات ماتزال راسخة في ذهن عمي ''محمد'' كلما تذكرها. بسبب البطالة، العنوسة والأوضاع الاجتماعية القاسية 50 من المائة من حالات الانتحار تتم بطريقة الشنق بالحبل في تيزي وزو أوضحت دراسات مهتمة بتحليل ظاهرة الانتحار، أن ما لا يقل عن 50 من المائة من حالات الانتحار المسجلة، يلجأ أصحابها إلى شنق أنفسهم، مستعينين بالحبال، الأسلاك، الكهربائية، خيوط الهاتف وغيرها، ويلي الشنق الرمي بالنفس من مكان مرتفع بنسبة 7 من المائة من إجمالي عمليات الانتحار المسجلة، وتناول مواد سامة بنسبة 4,5 من المائة. أما الأسلحة النارية، فتمثل نسبة 8,3 من المائة من الوسائل المستعملة في عملية الموت الإرادي. وأفادت دائما نفس الدراسات، أن أكثر الأماكن التي تنفّذ فيها عمليات الانتحار، هي المناطق الريفية، وذلك بنسبة 71 من المائة، سواء داخل المساكن العائلية أو خارجها، بالاستعانة بالأشجار وغالبا داخل المساكن العائلية. شاب يحاول حرق جسده للمطالبة بإطلاق سراح والده السجين في معسكر هذه الحادثة أفاد شهود عيان، أنها وقعت في حدود الساعة الثانية بعد الزوال، بمحطة النقل الخاصة بسيارات الأجرة المعروفة باسم ''الركابة'' وسط معسكر، حيث صعد الشاب على بناية خزانة المولد الكهربائي وقام بسكب البنزين على جسمه، وهدّد بحرق نفسه للفت انتباه الجهات المعنية، من أجل إطلاق سراح والده المسجون. يحرق جسده لعدم استقباله في إدارة محلية بمستغانم أقدم شاب يبلغ من العمر 34 سنة، على حرق نفسه بواسطة البنزين، أمام مقر الأمن الحضري لمستغانم، وذلك بعد إضرام النار في قدميه، وأقدم على المشي بها وسط الطريق، وهو ما دفع بأعوان الأمن الذين كانوا بالقرب من الضحية، الإسراع إلى إطفاء النيران على مستوى قدمه اليسرى وتقديم له الإسعافات الأولية، قبل الاستعانة بسيارة الإسعاف التي كانت مجاورة وقريبة من الأمن الحضري، لنقله على جناح السرعة إلى مصلحة الاستعجالات. وحسب المصادر الأولية ل''النهار''، فأسباب إقدام الشاب المنحدر من الولاية، على هذه الفعلة، راجع إلى عدم إيجاده لمنصب عمل، بالرغم من العديد من المراسلات التي كانت موجهة لمختلف السلطات العمومية، على غرار الوالي، رئيس الدائرة، رئيس البلدية وكذلك التوظيف العمومي. فتاة تنتحر شنقا بعد قرار والديها تزويجها في مستغانم سجّلت أيضا منطقة عين سيدي شريف التابعة لبلدية ماسرى بمستغانم، انتحار فتاة لا تتجاوز سن العشرين، بواسطة شاش، بعد استغلال تواجدها لوحدها. وبعد التحريات التي باشرتها مصالح الأمن، تبين أن دوافع الحادثة تعود إلى سوء تفاهم، بين الضحية ووالديها اللذين أرادا تزويجها من أحد الأقارب، فيما رفضت ذلك، لينتهي بها الحد إلى الانتحار ومغادرة الحياة نهائيا بأي طريقة كانت. ..وآخر يحرق جسده احتجاجا على طرد باعة فوضويين في بشار أقدم مؤخرا، شاب في العقد الثالث من العمر، على الانتحار بإضرام النار في جسده، مستعملا مادة البنزين، وذلك احتجاجا على عملية ترحيل الخضارين، التي باشرتها الشرطة بالشارع المحاذي لسوق الخضر والفواكه ''بوهلال'' وسط عاصمة الجنوب الغربي بشار، وهي العملية التي جاءت بقرار من المسؤول الأول بالولاية، على خلفية الرسائل والشكاوى التي ظل سكان الشارع المُحاذي للسوق المذكور، يوجهونها للسلطات المحلية، جراء الضرر الذي لحق بهم من وراء استغلال الشارع، من طرف العديد من بائعي الخضر والفواكه الموسمية. نادل بمقهى يحرق جسده لتلقيه أمرية نيابية في معسكر أدخل الشاب ''ق. م'' البالغ من العمر 29 سنة، إلى مصلحة الجراحة العامة بمستشفى مسلم الطيب بمعسكر، متأثرا بحروق من الدرجة الثانية، كان قد أصيب بها بعد أن أقدم على رش جسمه بالبنزين وإضرام النار فيه، وسط المحطة البرية لنقل المسافرين بخصيبية. حيث نقل على الفور إلى مصلحة الاستعجالات بمستشفى معسكر، ثم حوّل إلى مستشفى وهران، حيث لقي حتفه نظرا إلى خطورة إصابته. وحسب مصادر مقربة من الضحية الذي يعمل نادلا بمقهى، لم يكن يعاني من أي مشاكل صحية، إلا أن أحد أفراد عائلته وجّه أصابع الاتهام إلى موظف في إحدى الهيئات الإدارية، يعتقد بأنه وجّه لكمة لوجه الضحية، وهو ما اعتبره إهانة له. في حين، نفت مصادر أخرى، ما أشيع عن تعرضه إل الضرب من قبل موظف، موضحة بأنه تلقى أمرية نيابية تخص شكوى ضده، وهو ما لم يتقبله الضحية، ولم يتم إلى حد الآن معرفة الأسباب الحقيقية التي دفعت به إلى حرق جسده بالبنزين، في انتظار ما ستسفر عنه تحقيقات الأمن. شاب ينتحر بتناول ماء الملح بعين الذهب في تيارت علمت ''النهار''، أن شابا يدعى ''ب. عادل''، في العقد الثاني من العمر، قد عثر عليه مغما عليه بالحديقة العمومية لمدينة عين الذهب بتيارت، من طرف مواطنين، قاموا بإبلاغ الجهات المعنية، لينقل إلى مستشفى المدينة، التي قامت بدورها بتحويله إلى مستشفى السوڤر بتيارت، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك. وحسب مصادرنا، فتعود أسباب الوفاة إلى كمية تناولها من ماء الملح، الذي قام بشربها بذات المكان -حسب المعلومات- لتؤكد فريضة انتحاره. بطّال ينتحر حرقا لأن ''المير'' استفزّه في تبسة شهدت ولاية تبسة في السنوات الأخيرة، تنامي هذه الظاهرة في أوساط الرجال والنساء وحتى القصّر، البعض منهم لم تعرف أو تكشف التحقيقات عن أسبابها، والبعض الآخر أسبابه مرتبطة بالحياة الاجتماعية. حيث شهدت ولاية تبسة خلال 2010، أربع حالات انتحار، من بينهم فتاتان، والأسباب منها ما هو عائلي، وأخرى مجهولة إلى حد الساعة. وآخر هذه الانتحارات، كانت تلك التي شاهدتها منطقة بوخضرة شمال تبسة، والتي أقدم فيها المدعو ''م. ب''، يبلغ من العمر 28 سنة، أب ل3 أطفال، على انتحار حرقا بالبنزين وسط مقر البلدية، نتيجة استفزازه من طرف رئيس البلدية أثناء مطالبته بالسكن والعمل، وسبقه في ذلك حافظ للأمن العمومي، يعمل بأمن ولاية تبسة، وذلك رميا بالرصاص بمقر سكناه، بدائرة مرسط، 30 كلم شرق تبسة. في حين، بلغ عدد حالات الانتحار 13 حالة، شهدتها ولاية تبسة، من بينها 3 نساء أغلبها لأسباب مجهولة. انتحار كهل شنقا وعجوز بتناول مادة سامة في الطارف سجّلت ولاية الطارف مؤخرا، انتحار كهل شنقا، بغرفة منزله، وانتحار امرأة عجوز جاوزت الثمانين من العمر، والمنحدرة من قرية أولاد بوبكر بوثلجة، بعد تناولها لمادة سامة. كما أصبحت طريقة الحرق بالبنزين، ظاهرة أخرى للتعبير عن الاحتجاج والغضب، مثل محاولة الشاب ''ك. ن'' 26 سنة، والمنحدر من قرية رقوش أحمد بلدية شيحاني دائرة الذرعان في الطارف، حرق نفسه، بعدما صبّ قارورة من البنزين وهدّد بالانتحار الأسبوع المنصرم، داخل مقر بلدية شيحاني، ردا على عدم حصوله على منصب عمل. ينتحر حرقا لعدم منحه وصل بطاقة الهوية في البرج شهدت دائرة مجانة خلال المدة الأخيرة، انتحار الشاب ''ع. ل''، البالغ من العمر 25 سنة، والقاطن بالياشير، لما وصفه والده ببيروقراطية الإدارة، وذلك بسبب وصل بطاقة التعريف الوطنية، حيث كان الضحية يرغب في إسراع الجهات الوصية، بمنحه الوصل للتنقل إلى بلدية الحراش في الجزائر العاصمة، بغرض العمل هناك في شركة خاصة. حيث أكد الوسيط بالولاية، أنه اتصل بالجهات الوصية بمجانة، من أجل إيجاد حل له، لكن لحظات فقط حتى سمع بنبأ إحراق الشاب لنفسه أمام مقر الولاية، قبل أن يتم نقله إلى مستشفى الولاية، وقد أصيب بحروق من الدرجة الثالثة، أدت إلى وفاته. تلميذ ينتحر شنقا بسبب وعود والديه الكاذبة أقدم الطفل ''سيف الدين''، البالغ من العمر 11 سنة، ببلدية حساني عبد الكريم بالوادي، على وضع حد لحياته شنقا بواسطة حزام السروال، بعدما خالف الوالدان وعدهما بشراء دراجة عند نجاحه.وحسب مصادر محلية، فإن حادثة الانتحار وقعت على الساعة الثانية زوالا، فبعدما عمّت الفرحة كل أفراد العائلة وخاصة الطفل ''سيف الدين''، بعد تلقيه خبر نجاحه وانتقاله إلى السنة الخامسة، انقلبت هذه الفرحة إلى حزن وبكاء، عندما أقدم الصبي على شنق نفسه بحزام سرواله، بعد تأكده من الوعد الزائف الذي قطعه الوالدين، بشراء دراجة هوائية كجائزة للنجاح، بسبب ظروف العائلة التي حالت دون تحقيق حلم الصبي، حسب ذات المصادر، الذي أصيب بحالة خيبة وإحباط، جعلته يقدم على الانتحار شنقا.